الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***
بسم الله الرحمن الرحيم قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيّ رحمه الله: اخْتَصَرْت هَذَا الْكِتَابَ مِنْ عِلْمِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ مَعَ إعْلاَمِهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكُلُّ مَاءٍ مِنْ بَحْرٍ عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ سَمَاءٍ أَوْ بَرَدٍ أَوْ ثَلْجٍ مُسَخَّنٍ وَغَيْرِ مُسَخَّنٍ فَسَوَاءٌ وَالتَّطَهُّرُ بِهِ جَائِزٌ وَلاَ أَكْرَهُ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ لِكَرَاهِيَةِ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ مَاءِ وَرْدٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ عِرْقِ مَاءٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ أَوْ نَبِيذٍ أَوْ مَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ مُطْلَقٍ حَتَّى يُضَافَ إلَى مَا خَالَطَهُ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ فَلاَ يَجُوزُ التَّطَهُّرُ بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَيُتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: {أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ}. قَالَ: وَكَذَلِكَ جُلُودُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ إذَا دُبِغَتْ إلَّا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ وَهُمَا حَيَّانِ. قَالَ وَلاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إلَّا الْإِهَابُ وَحْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الصُّوفُ وَالشَّعْرُ وَالرِّيشُ لاَ يَمُوتُ بِمَوْتِ ذَوَاتِ الرُّوحِ أَوْ كَانَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَانَ ذَلِكَ فِي قَرْنِ الْمَيْتَةِ وَسِنِّهَا وَجَازَ فِي عَظْمِهَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ. قَالَ وَلاَ يُدْهَنُ فِي عَظْمِ فِيلٍ وَاحْتَجَّ بِكَرَاهِيَةِ ابْنِ عُمَرَ لِذَلِكَ. قَالَ فَأَمَّا جِلْدُ كُلِّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلاَ بَأْسَ بِالْوُضُوءِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُدْبَغْ. قَالَ وَلاَ أَكْرَهُ مِنْ الْآنِيَةِ إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارَ جَهَنَّمَ}. قَالَ وَأَكْرَهُ مَا ضُبِّبَ بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ شَارِبًا عَلَى فِضَّةٍ. قَالَ وَلاَ بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ مُشْرِكٍ وَبِفَضْلِ وُضُوئِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَتَهُ تَوَضَّأَ عُمَرُ رضي الله عنه مِنْ مَاءٍ فِي جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ السِّوَاكَ لِلصَّلَوَاتِ وَعِنْدَ كُلِّ حَالٍ تَغَيَّرَ فِيهِ الْفَمُ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ وَالْأَزْمِ وَكُلِّ مَا يُغَيِّرُ الْفَمَ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لاََمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لاََمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ أَوْ لَمْ يَشْقُقْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُجْزِئُ طَهَارَةٌ مِنْ غُسْلٍ وَلاَ وُضُوءٍ وَلاَ تَيَمُّمٍ إلَّا بِنِيَّةٍ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ أَجَازَ الْوُضُوءَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: {الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهُمَا طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ يَفْتَرِقَانِ. قَالَ وَإِذَا تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ أَوْ لِقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أَوْ لِجِنَازَةٍ أَوْ لِسُجُودِ قُرْآنٍ أَجْزَأَ وَإِنْ صَلَّى بِهِ فَرِيضَةً. قَالَ وَإِنْ نَوَى فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةً أَنْ يَتَبَرَّدَ أَوْ يَتَنَظَّفَ بِالْمَاءِ فَيُعِيدُ مَا كَانَ غَسَلَهُ لِتَبَرُّدٍ أَوْ تَنَظُّفٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ} قَالَ الْمُزَنِيّ أَشُكُّ فِي ثَلاَثٍ. قَالَ فَإِذَا قَامَ الرَّجُلُ إلَى الصَّلاَةِ مِنْ نَوْمٍ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ فَأُحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ، ثُمَّ يُفْرِغَ مِنْ إنَائِهِ عَلَى يَدَيْهِ وَيَغْسِلَهُمَا ثَلاَثًا، ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ فَيَغْرِفَ غَرْفَةً لِفِيهِ وَأَنْفِهِ وَيَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلاَثًا وَيُبْلِغَ خَيَاشِيمَهُ الْمَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فَيُرْفِقَ، ثُمَّ يَغْرِفَ الْمَاءَ الثَّانِيَةَ بِيَدَيْهِ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ إلَى أُصُولِ أُذُنَيْهِ وَمُنْتَهَى اللِّحْيَةِ إلَى مَا أَقْبَلَ مِنْ وَجْهِهِ وَذَقَنِهِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ غَسَلَ بَشَرَةَ وَجْهِهِ كُلَّهَا وَإِنْ نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ وَعَارِضَاهُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى لِحْيَتِهِ وَعَارِضَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى بَشَرَةِ وَجْهِهِ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ شَعْرُهُ كَثِيرًا، ثُمَّ يَغْسِلَ ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ وَيُدْخِلَ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ فَلاَ فَرْضَ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَأُحِبُّ أَنْ لَوْ مَسَّ مَوْضِعُهُ الْمَاءَ ثُمَّ يَمْسَحَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا وَأُحِبُّ أَنْ يَتَحَرَّى جَمِيعَ رَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَمْسَحَ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَيُدْخِلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا إلَى الْكَعْبَيْنِ {وَالْكَعْبَانِ هُمَا النَّاتِئَانِ وَهُمَا مُجْتَمَعُ مِفْصَلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ كَالْمِرْفَقَيْنِ وَيُخَلِّلَ أَصَابِعَهُمَا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيطَ بْنَ صَبِرَةَ بِذَلِكَ} وَذَلِكَ أَكْمَلُ الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَمُرَّ الْمَاءُ عَلَى مَا سَقَطَ مِنْ اللِّحْيَةِ عَنْ الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِيهَا قَوْلاَنِ. قَالَ يَجْزِيهِ فِي أَحَدِهِمَا وَلاَ يَجْزِيهِ فِي الْآخَرِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا يَجْزِيهِ أَشْبَهَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَجْعَلُ مَا سَقَطَ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ مِنْ الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ مَا سَقَطَ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الْوَجْهِ مِنْ الْوَجْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً وَلَمْ يَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا قَذَرٌ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ بِيَدِهِ أَوْ بِبَعْضِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ {النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالنَّزْعَتَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً وَعَمَّ بِكُلِّ مَرَّةٍ مَا غَسَلَ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ {هَذَا وُضُوءٌ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى صَلاَةً إلَّا بِهِ}، ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ {مَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ}، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ {هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَوُضُوءُ خَلِيلِي إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ}. قَالَ وَفِي تَرْكِهِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَمْسَحَ أُذُنَيْهِ تَرْكٌ لِلسُّنَّةِ وَلَيْسَتْ الْأُذُنَانِ مِنْ الْوَجْهِ فَيُغْسَلاَ وَلاَ مِنْ الرَّأْسِ فَيَجْزِي مَسْحُهُ عَلَيْهِمَا فَهُمَا سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهِمَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مِمَّا يَلِيهِمَا مِنْ الرَّأْسِ وَلاَ عَلَى مَا وَرَاءَهُمَا مِمَّا يَلِي مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَيْهِمَا وَلاَ عَلَى مَا يَلِيهِمَا إلَى الْعُنُقِ مَسْحٌ وَهُوَ إلَى الرَّأْسِ أَقْرَبُ كَانَتْ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ أَبْعَدُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: لَوْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ أَجْزَأَ مَنْ حَجَّ حَلَقَهُمَا عَنْ تَقْصِيرِ الرَّأْسِ فَصَحَّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ عَلَى حِيَالِهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَجْزِي مِنْ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلاَ يَجْزِي إلَّا مَسْحُ كُلِّ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ بَدَلٌ مِنْ الْغَسْلِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ أَصْلٌ لاَ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ وَإِنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ وَغَسْلَهُ أَجُزْأَهُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِابْنِ عُمَرَ. قَالَ وَإِنْ بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ رَجَعَ إلَى ذِرَاعَيْهِ فَغَسَلَهُمَا حَتَّى يَكُونَا بَعْدَ وَجْهِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْوُضُوءَ وَلاَءً كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ}- هَكَذَا قَرَأَهُ الْمُزَنِيّ إلَى الْكَعْبَيْنِ: فَإِنْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ عَلَى غَيْرِ وَلاَءٍ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى الْوَلاَءِ مِنْ وُضُوئِهِ وَأَعَادَ الصَّلاَةَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَزَّ {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفَا وَقَالَ {نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ}. قَالَ وَإِنْ قَدَّمَ يُسْرَى قَبْلَ يُمْنَى أَجْزَأَهُ وَلاَ يَحْمِلُ الْمُصْحَفَ وَلاَ يَمَسُّهُ إلَّا طَاهِرًا وَلاَ يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إلَّا جُنُبًا. قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ: إنْ قَدَّمَ الْوُضُوءَ وَأَخَّرَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلاَ يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا بِغَائِطٍ وَلاَ بِبَوْلٍ وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ} وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ فِي الصَّحَارَى؛ لِأَنَّ {النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَسَ عَلَى لَبِنْتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ} فَدَلَّ أَنَّ الْبِنَاءَ مُخَالِفٌ لِلصَّحَارَى. قَالَ وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ أَوْ مِنْ دُبُرِهِ شَيْءٌ فَلْيَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ وَلِيَسْتَطِبْ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ وَلاَ عَظْمٌ وَلاَ يَمْسَحْ بِحَجَرٍ قَدْ مَسَحَ بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ طَهَّرَهُ بِالْمَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الْبَوْلِ كَالِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الْخَلاَءِ وَيَسْتَنْجِي بِشِمَالِهِ. وَإِنْ اسْتَطَابَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْحِجَارَةِ مِنْ الْخَزَفِ وَالْآجُرِّ وَقِطَعِ الْخَشَبِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَنْقَى مَا هُنَالِكَ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَعْدُ الْمَخْرَجَ، فَإِنْ عَدَا الْمَخْرَجَ فَلاَ يُجْزِئُهُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَسْتَطِيبُ بِالْأَحْجَارِ إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ مِنْهُ إلَّا مَا يَنْتَشِرُ مِنْ الْعَامَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَحَوْلَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ فَيُجْزِئَ وَبِالْعَظْمِ فَلاَ يُجْزِئُ أَنَّ الْيَمِينَ أَدَاةٌ وَالنَّهْيَ عَنْهَا أَدَبٌ وَالِاسْتِطَابَةَ طَهَارَةٌ وَالْعَظْمَ لَيْسَ بِطَاهِرٍ، فَإِنْ مَسَحَ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ فَلَمْ يُنَقِّ أَعَادَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَثَرًا إلَّا أَثَرًا لاَصِقًا لاَ يُخْرِجُهُ إلَّا الْمَاءُ وَلاَ بَأْسَ بِالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ أَنْ يُسْتَطَابَ بِهِ وَإِنْ اسْتَطَابَ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلاَثَةُ أَحْرُفٍ كَانَ كَثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ إذَا أَنْقَى وَلاَ يُجْزِئَ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِعَظْمٍ وَلاَ نَجَسٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي يُوجِبُ الْوُضُوءَ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا وَقَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا وَزَائِلاً عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ قَلِيلاً كَانَ النَّوْمَ أَوْ كَثِيرًا وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ مُضْطَجِعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُضْطَجِعٍ وَالرِّيحُ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ وَمُلاَمَسَةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَالْمُلاَمَسَةُ أَنْ يُفْضِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَى جَسَدِهَا أَوْ تُفْضِيَ إلَيْهِ لاَ حَائِلَ بَيْنَهُمَا أَوْ يُقَبِّلَهَا وَمَسُّ الْفَرْجِ بِبَطْنِ الْكَفِّ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَرْجُ قُبُلاً أَوْ دُبُرًا أَوْ مَسُّ الْحَلْقَةِ نَفْسِهَا مِنْ الدُّبُرِ وَلاَ وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ حُرْمَةَ لَهَا وَلاَ تَعَبُّدَ عَلَيْهَا وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ دُبُرٍ أَوْ قُبُلٍ مِنْ دُودٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَذْيٍ أَوْ وَدْيٍ أَوْ بَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ كَمَا وَصَفْت وَلاَ اسْتِنْجَاءَ عَلَى مَنْ نَامَ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ. قَالَ وَنُحِبُّ لِلنَّائِمِ قَاعِدًا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلاَ يَبِينُ أَنْ أُوجِبَهُ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ أَحْسَبُهُ قَالَ قُعُودًا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ قَاعِدًا وَيُصَلِّي فَلاَ يَتَوَضَّأُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ صِرْنَا إلَى النَّظَرِ كَانَ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ تَوَضَّأَ بِأَيِّ حَالاَتِهِ كَانَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا وَرُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّهُ قَالَ {كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفْرًا أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافِنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وَنَوْمٍ}. قَالَ الْمُزَنِيّ: فَلَمَّا جَعَلَهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّي هُوَ وَأُمِّي، فِي مَعْنَى الْحَدَثِ وَاحِدًا اسْتَوَى الْحَدَثُ فِي جَمِيعِهِنَّ مُضْطَجِعًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا، وَلَوْ اخْتَلَفَ حَدَثُ النَّوْمِ لِاخْتِلاَفِ حَالِ النَّائِمِ لاَخْتَلَفَ كَذَلِكَ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَلاََبَانَهُ عليه السلام كَمَا أَبَانَ أَنَّ الْأَكْلَ فِي الصَّوْمِ عَامِدًا مُفْطِرٌ وَنَاسِيًا غَيْرُ مُفْطِرٍ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اُسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ} مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مَنْ اسْتَجْمَعَ نَوْمًا مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ اسْتَجْمَعَ نَوْمًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَعَنْ الْحَسَنِ إذَا نَامَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا تَوَضَّأَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: فَهَذَا اخْتِلاَفٌ يُوجِبُ النَّظَرَ وَقَدْ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ فِي النَّظَرِ فِي مَعْنَى مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ تَوَضَّأَ فَكَذَلِكَ النَّائِمُ فِي مَعْنَاهُ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَاحْتَجَّ فِي الْمُلاَمَسَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ} وَبِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلاَمَسَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَاحْتَجَّ فِي مَسِّ الذَّكَرِ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ} وَقَاسَ الدُّبُرَ بِالْفَرْجِ مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا تَوَضَّأَتْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ} فَكَانَتْ الْأَمَةُ فِي مَعْنَى الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ الدُّبُرُ فِي مَعْنَى الذَّكَرِ. قَالَ وَمَا كَانَ مِنْ سِوَى ذَلِكَ مِنْ قَيْءٍ أَوْ رُعَافٍ أَوْ دَمٍ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِ الْحَدَثِ فَلاَ وُضُوءَ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لاَ وُضُوءَ فِي الْجُشَاءِ الْمُتَغَيِّرِ وَلاَ الْبُصَاقِ لِخُرُوجِهِمَا مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِ الْحَدَثِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ فَاهُ وَمَا أَصَابَ الْقَيْءُ مِنْ جَسَدِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَصَرَ بَثْرَةً بِوَجْهِهِ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فَدَلَّكَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَغْسِلْ يَدَهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اغْسِلْ أَثَرَ الْمَحَاجِمِ عَنْك وَحَسْبُك وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ رَعَفَ فَمَسَحَ أَنْفَهُ بِصُوفَةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَعَنْ الْقَاسِمِ لَيْسَ عَلَى الْمُحْتَجِمِ وُضُوءٌ. قَالَ وَلَيْسَ فِي قَهْقَهَةِ الْمُصَلِّي وَلاَ فِيمَا مَسَّتْ النَّارُ وُضُوءٌ بِمَا رُوِيَ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ}. قَالَ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فَهُوَ بِالْعَمْدِ وَالسَّهْوِ سَوَاءٌ. قَالَ وَمَنْ اسْتَيْقَنَ الطُّهْرَ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ اسْتَيْقَنَ الْحَدَثَ، ثُمَّ شَكَّ فِي الطُّهْرِ فَلاَ يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ {إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ فَعَلْته أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فاغتسلناه}. وَرَوَاهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ}. قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَامِرٍ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلَهُ. قَالَ وَإِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَالْتِقَاؤُهُمَا أَنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَيَكُونُ خِتَانُهُ حِذَاءَ خِتَانِهَا فَذَاكَ الْتِقَاؤُهُمَا كَمَا يُقَالُ الْتَقَى الْفَارِسَانِ إذَا تَحَاذَيَا وَإِنْ لَمْ يَتَضَامَّا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا. قَالَ الْمُزَنِيّ: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ أَنْ يُحَاذِيَ خِتَانُ الرَّجُلِ خِتَانَ الْمَرْأَةِ لاَ أَنْ يُصِيبَ خِتَانُهُ خِتَانَهَا وَذَلِكَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ مُسْتَعْلٍ وَيَدْخُلُ الذَّكَرُ أَسْفَلَ مِنْ خِتَانِ الْمَرْأَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: الْعَرَبُ تَقُولُ إذَا حَاذَى الْفَارِسُ الْفَارِسَ الْتَقَى الْفَارِسَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَنْزَلَ الْمَاءَ الدَّافِقَ مُتَعَمِّدًا أَوْ نَائِمًا أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا وَمَاءُ الرَّجُلِ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ هُوَ الْمَنِيُّ الْأَبْيَضُ الثَّخِينُ الَّذِي يُشْبِهُ رَائِحَةَ الطَّلْعِ فَمَتَى خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ أَوْ رَأَتْ الْمَرْأَةُ الْمَاءَ الدَّافِقَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَقَبْلَ الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ. قَالَ: وَتَغْتَسِلُ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ وَالنُّفَسَاءُ إذَا ارْتَفَعَ دَمُهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَبْدَأُ الْجُنُبُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلاَثًا قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ، ثُمَّ يَغْسِلُ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ الْعَشْرَ فِي الْإِنَاءِ يُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ، ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ حَتَّى يَعُمَّ جَمِيعَ جَسَدِهِ وَشَعْرِهِ وَيُمِرُّ يَدَيْهِ عَلَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ جَسَدِهِ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَإِنْ تَرَكَ إمْرَارَ يَدَيْهِ عَلَى جَسَدِهِ فَلاَ يَضُرُّهُ وَفِي إفَاضَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُدَلِّكْهُ أَجْزَأَهُ وَبِقَوْلِهِ {إذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَك}. قَالَ وَفِي أَمْرِهِ الْجُنُبَ الْمُتَيَمِّمَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ اغْتَسِلْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِوُضُوءٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِفَرْضٍ. قَالَ وَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ لِلْجَنَابَةِ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَقَدْ أَسَاءَ وَيُجْزِئُهُ وَيَسْتَأْنِفُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- غَسْلَ الْوَجْهِ مِنْ الْحَدَثِ كَمَا فَرَضَ غَسْلَهُ مَعَ سَائِرِ الْبَدَنِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَكَيْفَ يُجْزِئُهُ تَرْكُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلاَ يُجْزِئُهُ مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ غُسْلُ الْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّهَا تَحْتَاجُ مِنْ غَمْرِ ضَفَائِرِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ إلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّجُلُ. وَرُوِيَ {أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ لاَ إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَيْهِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ تُفِيضِي عَلَيْك الْمَاءَ}. قَالَ: وَأُحِبُّ أَنْ يُغَلْغِلَ الْمَاءَ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ وَكَمَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى شَعْرِهَا وَبَشَرِهَا أَجْزَأَهَا، وَكَذَلِكَ غُسْلُهَا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَمَّا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ قَالَ {خُذِي فِرْصَةً- وَالْفِرْصَةُ الْقِطْعَةُ مِنْ مَسْكٍ- فَتَطْهُرِي بِهَا} فَقَالَتْ عَائِشَةُ تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَطِيبًا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَمَا بَدَأَ بِهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمَا. قَالَ وَإِنْ أَدْخَلَ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ أَيْدِيَهُمَا فِي الْإِنَاءِ وَلاَ نَجَاسَةَ فِيهَا لَمْ يَضُرَّهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ {رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى بِالْوَضُوءِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ النَّاسُ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ} وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: {كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ جَمِيعًا} وَرُوِيَ {عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ تَعْنِي مِنْ الْجَنَابَةِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُتَوَضَّأَ وَيُغْتَسَلَ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إذَا اغْتَسَلَ وَعَائِشَةُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَقَدْ اغْتَسَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفَضْلِ صَاحِبِهِ. قَالَ وَلَيْسَتْ الْحَيْضَةُ فِي الْيَدِ وَلاَ الْمُؤْمِنُ بِنَجَسٍ إنَّمَا تَعَبُّدٌ أَنْ يُمَاسَّ الْمَاءُ فِي بَعْضِ حَالاَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَوَضَّأَ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ دَلاَلَةٌ أَنَّهُ لاَ تَوْقِيتَ فِيمَا- يَتَطَهَّرُ بِهِ الْمُغْتَسِلُ وَالْمُتَوَضِّئُ إلَّا عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ يَخْرِقُ بِالْكَثِيرِ فَلاَ يَكْفِي وَيُرْفِقُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي. قَالَ: وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُنْقَصَ عَمَّا رُوِيَ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمُدِّ وَاغْتَسَلَ بِالصَّاعِ}
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} الْآيَةُ وَرُوِيَ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ}. قَالَ: وَمَعْقُولٌ إذَا كَانَ بَدَلاً مِنْ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أَنْ يُؤْتَى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى مَا يُؤْتَى بِالْوُضُوءِ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالتَّيَمُّمُ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَابُ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ سَبَخِهَا وَمَدَرِهَا وَبَطْحَائِهَا وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْهُ غُبَارٌ مَا لَمْ تُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ وَيَنْوِي بِالتَّيَمُّمِ الْفَرِيضَةَ فَيَضْرِبُ عَلَى التُّرَابِ ضَرْبَةً وَيُفَرِّقُ أَصَابِعَهُ حَتَّى يُثِيرَ التُّرَابَ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِيَدِهِ وَجْهَهُ كَمَا وَصَفْت فِي الْوُضُوءِ، ثُمَّ يَضْرِبُ ضَرْبَةً أُخْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ يَمْسَحُ ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى فَيَضَعُ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى وَأَصَابِعِهَا، ثُمَّ يُمِرُّهَا عَلَى ظَهْرِ الذِّرَاعِ إلَى مِرْفَقِهِ، ثُمَّ يُدِيرُ كَفَّهُ إلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ، ثُمَّ يُقْبِلُ بِهَا إلَى كُوعِهِ، ثُمَّ يُمِرُّهَا عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ وَيَكُونُ بَطْنُ كَفِّهِ الْيُمْنَى لَمْ يَمَسَّهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ فَيَمْسَحُ بِهَا الْيُسْرَى كَمَا وَصَفْت فِي الْيُمْنَى وَيَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَيُخَلِّلُ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا فَإِنْ أَبْقَى شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَمُرُّ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ حَتَّى صَلَّى أَعَادَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ التَّيَمُّمِ، ثُمَّ يُصَلِّي. وَإِنْ بَدَأَ بِيَدَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ وَيَمْسَحَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا بَعْدَ وَجْهِهِ مِثْلَ الْوُضُوءِ سَوَاءً وَإِنْ قَدَّمَ يُسْرَى يَدَيْهِ عَلَى الْيُمْنَى أَجْزَأَهُ. قَالَ: وَلَوْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ فَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الْجَنَابَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّيَمُّمِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْدِثِ عِنْدِي مَعْرِفَةُ أَيِّ الْأَحْدَاثِ كَانَ مِنْهُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لِلْحَدَثِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَيِّ الْأَحْدَاثِ كَانَ مِنْهُ كَمَا عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَيِّ الصَّلَوَاتِ عَلَيْهِ لَوَجَبَ لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ رِيحٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ حَدَثَهُ بَوْلٌ أَوْ اغْتَسَلَتْ امْرَأَةٌ تَنْوِي الْحَيْضَ وَإِنَّمَا كَانَتْ جُنُبًا أَوْ مِنْ حَيْضٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ نُفَسَاء لَمْ يُجْزِئْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى يَعْلَمَ الْحَدَثَ الَّذِي تَطَهَّرَ مِنْهُ وَلاَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، وَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِمَا يَتَوَضَّأُ لَهُ لَمَا جَازَ لِمَنْ يَتَوَضَّأُ لِقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أَوْ لِصَلاَةٍ عَلَى جِنَازَةِ أَوْ تَطَوُّعٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرْضَ فَلَمَّا صَلَّى بِهِ الْفَرْضَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ لِلْفَرْضِ أَجْزَأَهُ أَنْ لاَ يَنْوِيَ لِأَيِّ الْفُرُوضِ وَلاَ لِأَيِّ الْأَحْدَاثِ تَوَضَّأَ وَلاَ لِأَيِّ الْأَحْدَاثِ اغْتَسَلَ. قَالَ: وَإِذَا وَجَدَ الْجُنُبُ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ اغْتَسَلَ وَإِذَا وَجَدَهُ الَّذِي لَيْسَ بِجُنُبٍ تَوَضَّأَ وَإِذَا تَيَمَّمَ فَفَرَغَ مِنْ تَيَمُّمِهِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَاءِ، ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِهِ بَنَى عَلَى صَلاَتِهِ وَأَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ: وُجُودُ الْمَاءِ عِنْدِي يَنْقُضُ طُهْرَ التَّيَمُّمِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ كَمَا أَنَّ مَا نَقَضَ الطُّهْرَ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي مَنَعَ نَقْضَ طُهْرِهِ الصَّلاَةَ لَمَا ضَرَّهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلاَةِ وَقَدْ أَجْمَعُوا وَالشَّافِعِيُّ مَعَهُمْ أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ تَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا وَتَيَمَّمَ الْآخَرُ فِي سَفَرٍ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ وَأَنَّهُمَا قَدْ أَدَّيَا فَرْضَ الطُّهْرِ، فَإِنْ أَحْدَثَ الْمُتَوَضِّئُ وَوَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ أَنَّهُمَا فِي نَقْضِ الطُّهْرِ قَبْلَ الصَّلاَةِ سَوَاءٌ فَلِمَ لاَ كَانَا فِي نَقْضِ الطُّهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا سَوَاءً؟ وَمَا الْفَرْقُ وَقَدْ قَالَ فِيهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ إنَّ عِدَّةَ مَنْ لَمْ تَحِضْ الشُّهُورُ، فَإِنْ اعْتَدَّتْ بِهَا إلَّا يَوْمًا، ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّ الشُّهُورَ تَنْتَقِضُ لِوُجُودِ الْحَيْضِ فِي بَعْضِ الطُّهْرِ فَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ يَنْتَقِضُ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاَةِ وُجُودُ الْمَاءِ كَمَا يَنْتَقِضُ طُهْرُ الْمُتَوَضِّئِ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاَةِ إذَا كَانَ الْحَدَثُ وَهَذَا عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَوْلَى. قَالَ وَلاَ يَجْمَعُ بِالتَّيَمُّمِ صَلاَتَيْ فَرْضٍ بَلْ يُجَدِّدُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ طَلَبًا لِلْمَاءِ وَتَيَمُّمًا بَعْدَ الطَّلَبِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ} وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لاَ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ إلَّا بِتَيَمُّمٍ ". قَالَ وَيُصَلِّي بَعْدَ الْفَرِيضَةِ النَّوَافِلَ وَعَلَى الْجَنَائِزِ وَيَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ وَيَسْجُدُ سُجُودَ الْقُرْآنِ وَإِنْ تَيَمَّمَ بِزِرْنِيخٍ أَوْ نَوْرَةٍ أَوْ ذُرَاوَةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجْزِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ وَإِعْوَازِ الْمَاءِ بَعْدَ طَلَبِهِ وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ طَالَ، أَوْ قَصُرَ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَبِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ وَلاَ يَتَيَمَّمُ مَرِيضٌ فِي شِتَاءٍ وَلاَ صَيْفٍ إلَّا مَنْ بِهِ قُرْحٌ لَهُ غَوْرٌ أَوْ بِهِ ضَنًى مِنْ مَرَضٍ يَخَافُ إنْ يَمَسُّهُ الْمَاءُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ التَّلَفُ أَوْ يَكُونَ مِنْهُ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ لاَ لِشَيْنٍ وَلاَ لِإِبْطَاءِ بُرْءٍ. قَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ إنْ مَسَّهُ الْمَاءُ شِدَّةَ الضَّنَى. قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ دُونَ بَعْضٍ غَسَلَ مَا لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ وَيَتَيَمَّمُ لاَ يُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قُرْحِهِ دَمٌ يَخَافُ إنْ غَسَلَهُ تَيَمَّمَ وَأَعَادَ إذَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فِي حَشٍّ أَوْ مَوْضِعٍ نَجَسٍ أَوْ مَرْبُوطًا عَلَى خَشَبَةٍ صَلَّى يُومِئُ وَيُعِيدُ إذَا قَدَرَ. قَالَ: وَلَوْ أَلْصَقَ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ لُصُوقًا نَزَعَ اللُّصُوقَ وَأَعَادَ وَلاَ يَعْدُو بِالْجَبَائِرِ مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَلاَ يَضَعُهَا إلَّا عَلَى وُضُوءٍ كَالْخُفَّيْنِ، فَإِنْ خَافَ الْكَسِيرُ غَيْرُ مُتَوَضِّئِ التَّلَفَ إذَا أُلْقِيَتْ الْجَبَائِرُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا: يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيُعِيدُ مَا صَلَّى إذَا قَدَرَ عَلَى الْوُضُوءِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لاَ يُعِيدُ، وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ {عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ انْكَسَرَ إحْدَى زَنْدَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ} قُلْت بِهِ وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ أَوْلَى قَوْلَيْهِ بِالْحَقِّ عِنْدِي أَنْ يُجْزِئَهُ وَلاَ يُعِيدُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمُصَلِّي وَفِيمَا رُخِّصَ لَهُ فِي تَرْكِهِ مِنْ طُهْرٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ وَالشَّافِعِيُّ مَعَهُمْ أَنْ لاَ تُعِيدَ الْمُسْتَحَاضَةُ وَالْحَدَثُ فِي صَلاَتِهَا دَائِمٌ وَالنَّجَسُ قَائِمٌ وَلاَ الْمَرِيضُ الْوَاجِدُ لِلْمَاءِ وَلاَ الَّذِي مَعَهُ الْمَاءُ يَخَافُ الْعَطَشَ إذَا صَلَّيَا بِالتَّيَمُّمِ وَلاَ الْعُرْيَانُ وَلاَ الْمُسَافِرُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يُومِئُ إيمَاءً فَقَضَى ذَلِكَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ عَلَى طَرْحِ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمُصَلِّي وَرَفْعِ الْإِعَادَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يُوَضِّئُهُ فِي سَفَرِهِ وَخَافَ الْعَطَشَ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَى قُرُوحِهِ دَمٌ يَخَافُ إنْ غَسَلَهَا كَمَنْ لَيْسَ بِهِ نَجَسٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَتَيَمَّمُ صَحِيحٌ فِي مِصْرٍ لِمَكْتُوبَةٍ وَلاَ لِجِنَازَةٍ، وَلَوْ جَازَ مَا قَالَ غَيْرِي: " يَتَيَمَّمُ " لِلْجِنَازَةِ لِخَوْفِ الْفَوْتِ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِفَوْتِ الْجُمُعَةِ وَالْمَكْتُوبَةِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ لِفَوْتِ الْأَوْكَدِ كَانَ مِنْ أَنْ يَجُوزَ فِيمَا دُونَهُ أَبْعَدَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ إلَّا مُتَوَضِّئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ مِنْ الْمَاءِ مَا لاَ يَغْسِلُهُ لِلْجَنَابَةِ غَسَلَ أَيَّ بَدَنِهِ شَاءَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَتَيَمَّمُ وَلاَ يَغْسِلُ مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لاَ يُطَهِّرُ بَدَنَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا هَذَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي لِأَنَّ كُلَّ بَدَلٍ لِعَدَمٍ فَحُكْمُ مَا وَجَدَ مِنْ بَعْضِ الْمَعْدُومِ حُكْمُ الْعَدَمِ كَالْقَاتِلِ خَطَأً يَجِدُ بَعْضَ رَقَبَةٍ فَحُكْمُ الْبَعْضِ كَحُكْمِ الْعَدَمِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْبَدَلُ وَلَوْ لَزِمَهُ غَسْلُ بَعْضِهِ لِوُجُودِ بَعْضِ الْمَاءِ وَكَمَالِ الْبَدَلِ لَزِمَهُ عِتْقُ بَعْضِ رَقَبَةٍ لِوُجُودِ الْبَعْضِ وَكَمَالِ الْبَدَلِ وَلاَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ تَعْجِيلَ التَّيَمُّمِ لِاسْتِحْبَابِي تَعْجِيلَ الصَّلاَةِ وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ لَوْ أَخَّرَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا كَأَنَّ التَّعْجِيلَ بِقَوْلِهِ أَوْلَى لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ مَا بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ فَلَمَّا كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ فِي أَدَاءِ الصَّلاَةِ بِالْوُضُوءِ فَالتَّيَمُّمُ مِثْلُهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَحْلِهِ أَعَادَ وَإِنْ وَجَدَهُ بِثَمَنٍ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ وَاجِدُ الثَّمَنِ غَيْرُ خَائِفٍ إنْ اشْتَرَاهُ الْجُوعَ فِي سَفَرِهِ فَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ أُعْطِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَتَيَمَّمُ. وَلَوْ كَانَ مَعَ رَجُلٍ مَاءٌ فَأَجْنَبَ رَجُلٌ وَطَهُرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيْضِ وَمَاتَ رَجُلٌ وَلَمْ يَسَعْهُمْ الْمَاءُ كَانَ الْمَيِّتُ أَحَبَّهُمْ إلَى أَنْ يَجُودُوا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ وَيَتَيَمَّمُ الْحَيَّانِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَقْدِرَانِ عَلَى الْمَاءِ وَالْمَيِّتُ إذَا دُفِنَ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى غُسْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتِ مَاءٌ فَهُوَ أَحَقُّهُمْ بِهِ، فَإِنْ خَافُوا الْعَطَشَ شَرِبُوهُ وَيَمَّمُوهُ وَأَدَّوْا ثَمَنَهُ فِي مِيرَاثِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ نُقْطَةُ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ أَوْ أَيُّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ فَقَدْ فَسَدَ الْمَاءُ وَلاَ تُجْزِئُ بِهِ الطَّهَارَةُ. وَإِنْ تَوَضَّأَ رَجُلٌ، ثُمَّ جَمَعَ وُضُوءَهُ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بِهِ الْوُضُوءَ الْفَرْضَ مَرَّةً وَلَيْسَ بِنَجَسٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَلاَ شَكَّ أَنَّ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ مَا يُصِيبُ ثِيَابَهُ وَلاَ نَعْلَمُهُ غَسَلَهُ وَلاَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَهُ وَلاَ يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ عَلَى النَّاسِ تَعَبُّدًا فِي أَنْفُسِهِمْ بِالطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ وَلَيْسَ عَلَى ثَوْبٍ وَلاَ أَرْضٍ تَعَبُّدٌ وَلاَ أَنْ يُمَاسَّهُ مَاءٌ مِنْ غَيْرِهِ نَجَاسَةٌ. وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَقَدْ نَجُسَ الْمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُهْرِيقَهُ وَيَغْسِلَ مِنْهُ الْإِنَاءَ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِتُرَابٍ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِي بَحْرٍ لاَ يَجِدُ فِيهِ تُرَابًا فَغَسَلَهُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ فِي التَّنْظِيفِ مِنْ أُشْنَانٍ أَوْ نُخَالَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لاَ يَطْهُرَ إلَّا بِأَنْ يُمَاسَّهُ التُّرَابُ وَالْآخَرُ يَطْهُرُ بِمَا يَكُونُ خَلَفًا مِنْ تُرَابٍ، أَوْ أَنْظَفَ مِنْهُ كَمَا وَصَفْت كَمَا نَقُولُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخَزَفَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَالْحِجَارَةِ لِأَنَّهَا تُنَقِّي إنْقَاءَهَا فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْأُشْنَانَ كَالتُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ يُنَقِّي إنْقَاءَهُ أَوْ أَكْثَرَ وَكَمَا جَعَلَ مَا عَمِلَ عَمَلَ الْقَرَظِ وَالشَّثِّ فِي الْإِهَابِ فِي مَعْنَى الْقَرَظِ وَالشَّثِّ فَكَذَلِكَ الْأُشْنَانُ فِي تَطْهِيرِ الْإِنَاءِ فِي مَعْنَى التُّرَابِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: الشَّثُّ شَجَرَةٌ تَكُونُ بِالْحِجَازِ. قَالَ: وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ سِوَى ذَلِكَ ثَلاَثًا أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ غَسَلَهُ وَاحِدَةً تَأَنَّى عَلَيْهِ طَهُرَ. وَمَا مَسَّ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ أَبْدَانِهِمَا نَجَّسَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا قَذَرٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالاً مِنْ الْكَلْبِ فَقَاسَهُ عَلَيْهِ وَقَاسَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ فِي دَمِ الْحَيْضَةِ يُصِيبُ الثَّوْبَ أَنْ تَحُتَّهُ، ثُمَّ تَقْرُصَهُ بِالْمَاءِ وَتُصَلِّيَ فِيهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ سَبْعًا وَاحْتَجَّ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ بِحَدِيثِ {رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتْ الْحُمُرِ؟ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا} وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْهِرَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ} وَبِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام {إذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي الْإِنَاءِ فَامْقُلُوهُ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَحْيَاءِ نَجَاسَةٌ إلَّا مَا ذَكَرْت مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ. قَالَ: وَغَمْسُ الذُّبَابِ فِي الْإِنَاءِ لَيْسَ يَقْتُلُهُ وَالذُّبَابُ لاَ يُؤْكَلُ، فَإِنْ مَاتَ ذُبَابٌ أَوْ خُنْفُسَاءُ أَوْ نَحْوُهُمَا فِي إنَاءٍ نَجَّسَهُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُنَجِّسُهُ مِثْلُهُ نَجَّسَهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ مَعَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْ انْفِرَادِهِ عَنْهُمْ. قَالَ وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ جَرَادَةٌ مَيِّتَةٌ أَوْ حُوتٌ لَمْ تُنَجِّسْهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْكُولاَنِ مَيِّتَيْنِ. قَالَ: وَلُعَابُ الدَّوَابِّ وَعِرْقُهَا قِيَاسًا عَلَى بَنِي آدَمَ. قَالَ: وَأَيُّمَا إهَابِ مَيْتَةٍ دَبَغَ بِهِ الْعَرَبُ أَوْ نَحْوِهِ فَقَدْ طَهُرَ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَتُوُضِّئَ فِيهِ إلَّا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ وَهُمَا حَيَّانِ وَلاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ عَظْمٌ وَلاَ صُوفٌ وَلاَ شَعْرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا أَوْ قَالَ خَبَثًا} وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ ابْنِ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ لاَ يَحْضُرُ الشَّافِعِيَّ ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إذَا كَانَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا} وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ بِقِلاَلِ هَجَرَ " قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقَدْ رَأَيْت قِلاَلَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ. قَالَ: وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ {قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ تُطْرَحُ فِيهَا الْمَحَايِضُ وَلُحُومُ الْكِلاَبِ وَمَا يُنْجِي النَّاسُ فَقَالَ الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ} قَالَ وَمَعْنَى لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُغَيِّرْهُ النَّجَسُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ} وَقَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَزَحَ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا إمَّا لاَ نَعْرِفُهُ وَزَمْزَمُ عِنْدَنَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ " أَرْبَعٌ لاَ يَخْبُثْنَ " فَذَكَرَ الْمَاءَ وَهُوَ لاَ يُخَالِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ يَكُونُ الدَّمُ ظَهَرَ فِيهَا فَنَزَحَهَا إنْ كَانَ فَعَلَ أَوْ تَنْظِيفًا لاَ وَاجِبًا. قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسُ قِرَبٍ كِبَارٍ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ فَوَقَعَ فِيهِ دَمٌ أَوْ أَيُّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ فَلَمْ تُغَيِّرْ طَعْمَهُ وَلاَ لَوْنَهُ وَلاَ رِيحَهُ لَمْ يَنْجُسْ وَهُوَ بِحَالِهِ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَمْسُ قِرَبٍ فَصَاعِدًا وَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي لاَ يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَيَّرَهُ وَبَيْنَ الْقَلِيلِ الَّذِي يُنَجِّسُهُ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ، فَإِنْ وَقَعَتْ مَيْتَةٌ فِي بِئْرٍ فَغَيَّرَتْ طَعْمَهَا أَوْ رِيحَهَا أَوْ لَوْنَهَا أُخْرِجَتْ الْمَيْتَةُ وَنُزِحَتْ الْبِئْرُ حَتَّى يَذْهَبَ تَغَيُّرُهَا فَتَطْهُرَ بِذَلِكَ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ نَجَّسَتْهُ، فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ أَوْ صُبَّ عَلَى مَاءٍ آخَرَ حَتَّى يَكُونَ الْمَاءَانِ جَمِيعًا خَمْسَ قِرَبٍ فَصَاعِدًا فَطَهُرَا لَمْ يُنَجِّسْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. قَالَ فَإِنْ فُرِّقَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُنَجِّسَا بَعْدَ مَا طَهُرَا إلَّا بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِمَا وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ مَا لاَ يَخْتَلِطُ بِهِ مِثْلُ الْعَنْبَرِ أَوْ الْعُودِ أَوْ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَخُوضًا بِهِ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ إنَاءَانِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ نَجُسَ وَالْآخَرَ لَيْسَ بِنَجَسٍ تَأَخَّى وَأَرَاقَ النَّجِسَ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ وَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُمْكِنُ وَالْمَاءَ عَلَى أَصْلِهِ طَاهِرٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ يَعْنِي عَبْدَ الْوَهَّابِ عَنْ الْمُهَاجِرِ أَبِي مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا}. قَالَ وَإِذَا تَطَهَّرَ الرَّجُلُ الْمُقِيمُ بِغُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَقْتِ مَا أَحْدَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَذَلِكَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ وَإِذَا جَاوَزَ الْوَقْتَ فَقَدْ الْقَطْعُ الْمَسْحُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَصَلَّى بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْمَسْحِ أَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَالصَّلاَةَ، وَلَوْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، وَلَوْ مَسَحَ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ مَسَحَ مَسْحَ مُقِيمِ. وَإِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى، ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ لَمْ يُجْزِئْهُ إذَا أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ حَتَّى يَكُونَ طَاهِرًا بِكَمَالِهِ قَبْلَ لِبَاسِهِ أَحَدَ خُفَّيْهِ، فَإِنْ نَزَعَ الْخُفَّ الْأَوَّلَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ تَمَامِ طَهَارَتِهِ، ثُمَّ لَبِسَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ؛ لِأَنَّ لِبَاسَهُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: كَيْفَمَا صَحَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طُهْرٍ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفِّ شَيْءٌ بَانَ مِنْهُ بَعْضُ الرِّجْلِ وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفٍّ غَيْرِ سَاتِرٍ لِجَمِيعِ الْقَدَمِ وَإِنْ كَانَ خَرْقُهُ مِنْ فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَوْرَبَانِ مُجَلِّدِي الْقَدَمَيْنِ إلَى الْكَعْبَيْنِ حَتَّى يَقُومَا مَقَامَ الْخُفَّيْنِ وَمَا لَبِسَ مِنْ خُفِّ خَشَبٍ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى جُرْمُوقَيْنِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا وَلاَ أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفًا وَقَوْلُهُ مَعَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْ انْفِرَادِهِ عَنْهُمْ وَزَعَمَ إنَّمَا أُرِيدَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمِرْفَقُ فَكَذَلِكَ الْجُرْمُوقَانِ مِرْفَقٌ وَهُوَ بِالْخُفِّ شَبِيهٌ. قَالَ وَإِنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ مَسْحِهِمَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ وَفِي الْقَدِيمِ وَكِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَتَوَضَّأُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا وَاَلَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ لاَ يُنْتَقَضُ فِي السُّنَّةِ إلَّا بِالْحَدَثِ وَإِنَّمَا اُنْتُقِضَ طُهْرُ الْقَدَمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا كَانَ لِعَدَمِ ظُهُورِهِمَا كَمَسْحِ التَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَلَمَّا كَانَ وُجُودُ الْمَعْدُومِ مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَسْحِ يُبْطِلُ الْمَسْحَ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ كَانَ كَذَلِكَ ظُهُورُ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْمَسْحِ يُبْطِلُ الْمَسْحَ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ سِوَى الْقَدَمَيْنِ مَغْسُولٌ وَلاَ غَسْلَ عَلَيْهَا ثَانِيَةً إلَّا بِحَدَثٍ ثَانٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ} وَاحْتَجَّ بِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الْخُفِّ وَكَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى إلَى سَاقِهِ وَالْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ. قَالَ: فَإِنْ مَسَحَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَتَرَكَ الظَّاهِرَ أَعَادَ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الظَّاهِرِ وَتَرَكَ الْبَاطِنَ أَجْزَأَهُ وَكَيْفَمَا أَتَى بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ بِكُلِّ الْيَدِ أَوْ بِبَعْضِهِ أَجْزَأَهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالِاخْتِيَارُ فِي السُّنَّةِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ صَلاَةَ الْجُمُعَةِ الِاغْتِسَالُ لَهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {الْغُسْلُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ} يُرِيدُ وُجُوبَ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ} وَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ رضي الله عنهما حِينَ رَاحَ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ، وَلَوْ عَلِمَا وُجُوبَهُ لَرَجَعَ عُثْمَانُ وَمَا تَرَكَهُ عُمَرُ. قَالَ وَيَجْزِيهِ غُسْلُهُ لَهَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَاغْتَسَلَ لَهُمَا جَمِيعًا أَجْزَأَهُ. قَالَ وَأَحَبُّ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ لِلْأَعْيَادِ سُنَّةٌ اخْتِيَارًا وَإِنْ تَرَكَ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ وَإِنْ نَوَى الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ لَمْ يَجْزِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَنْوِيَ الْجَنَابَةَ وَأَوْلَى الْغُسْلِ أَنْ يَجِبَ عِنْدِي بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ مُفْضِيًا إلَيْهِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْت بِهِ ثُمَّ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَلاَ نُرَخِّصُ فِي تَرْكِهِ وَلاَ نُوجِبُهُ إيجَابًا لاَ يُجْزِئُ غَيْرُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: إذَا لَمْ يَثْبُتْ فَقَدْ ثَبَتَ تَأْكِيدُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ أَوْلَى وَأَجْمَعُوا إنْ مَسَّ خِنْزِيرًا أَوْ مَسَّ مَيْتَةً أَنَّهُ لاَ غُسْلَ وَلاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلَ مَا أَصَابَهُ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاعْتَزَلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ الْمَحِيضِ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: تَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ. قَالَ وَإِذَا اتَّصَلَ بِالْمَرْأَةِ الدَّمُ نَظَرَتْ، فَإِنْ كَانَ دَمُهَا ثَخِينًا مُحْتَدِمًا يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ لَهُ رَائِحَةٌ فَتِلْكَ الْحَيْضَةُ نَفْسُهَا فَلْتَدَعْ الصَّلاَةَ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ الدَّمُ وَجَاءَهَا الدَّمُ الْأَحْمَرُ الرَّقِيقُ الْمُشْرِقُ فَهُوَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ الْحَيْضَةُ وَهُوَ الطُّهْرُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ كَمَا وَصَفْت وَتُصَلِّيَ، وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَسْتَظْهِرَ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا- يُرِيدُ الْحَيْضَةَ- فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْك وَصَلِّي} وَلاَ يَقُولُ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا إلَّا وَهِيَ بِهِ عَارِفَةٌ. قَالَ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ دَمُهَا بِمَا وَصَفْت ثَمَّ فَتَعْرِفُهُ وَكَانَ مُشْتَبِهًا نَظَرَتْ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَيْضَتُهَا فِيمَا مَضَى مِنْ دَهْرِهَا فَتَرَكَتْ الصَّلاَةَ لِلْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {لِتَنْظُرَ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا مَا أَصَابَهَا فَلْتَدَعْ الصَّلاَةَ فَإِذَا خَلَفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ تُصَلِّي}. قَالَ: وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، ثُمَّ إذَا ذَهَبَ ذَلِكَ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُبْتَدِئًا لاَ مَعْرِفَةَ لَهَا بِهِ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّلاَةِ، ثُمَّ إذَا جَاوَزَتْ خَمْسَةَ عَشَرَةَ يَوْمًا اسْتَيْقَنَتْ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَشْكَلَ وَقْتُ الْحَيْضِ عَلَيْهَا مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلاَةَ إلَّا أَقَلَّ مَا تَحِيضُ لَهُ النِّسَاءُ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَقْضِيَ الصَّلاَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ يَوْمًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الَّذِي يُبْتَلَى بِالْمَذْيِ فَلاَ يَنْقَطِعُ مِثْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرِيضَةٍ بَعْدَ غَسْلِ فَرْجِهِ وَيُعَصِّبُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْوَقْتُ لِلصَّلاَةِ وَقْتَانِ وَقْتُ مَقَامٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْأَذَانِ، ثُمَّ لاَ يَزَالُ وَقْتُ الظُّهْرِ قَائِمًا حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ بِأَقَلِّ زِيَادَةٍ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَالْأَذَانِ، ثُمَّ لاَ يَزَالُ وَقْتُ الْعَصْرِ قَائِمًا حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلٍّ مِثْلَيْهِ فَمَنْ جَاوَزَهُ فَقَدْ فَاتَهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ فَاتَتْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ} فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَهُوَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْأَذَانِ وَلاَ وَقْتَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالْأَذَانِ، ثُمَّ لاَ يَزَالُ وَقْتُ الْعِشَاءِ قَائِمًا حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَلاَ أَذَانَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ خَلاَ الصُّبْحَ فَإِنَّهَا يُؤَذِّنُ قَبْلَهَا بِلَيْلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ وَلَكِنْ اتَّبَعْنَا فِيهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ {إنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ}، ثُمَّ لاَ يَزَالُ وَقْتُ الصُّبْحِ قَائِمًا بَعْدَ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَسْفِرْ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً مِنْهَا فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا فَاعْتَمِدْ فِي ذَلِكَ عَلَى إمَامَةِ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَالْوَقْتُ الْآخِرُ هُوَ وَقْتُ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَى رَجُلٍ فَأَفَاقَ وَطَهُرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَأَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ وَبَلَغَ صَبِيٌّ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ أَعَادُوا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ أَعَادُوا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ أَعَادُوا الصُّبْحَ وَذَلِكَ وَقْتُ إدْرَاكِ الصَّلَوَاتِ فِي الْعُذْرِ وَالضَّرُورَاتِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ} {وَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَقْتَهُمَا لِلضَّرُورَاتِ وَاحِدٌ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَدْرَكَ الْإِحْرَامَ فِي وَقْتِ الْآخِرَةِ صَلَّاهُمَا جَمِيعًا. قَالَ الْمُزَنِيّ: لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً أَتَمَّهَا ظُهْرًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ} وَمَعْنَى قَوْلِهِ عِنْدِي إنْ لَمْ تَفُتْهُ وَإِذَا لَمْ تَفُتْهُ صَلَّاهَا جُمُعَةً وَالرَّكْعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِسَجْدَتَيْنِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام {مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ} لاَ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا إلَّا بِكَمَالِ سَجْدَتَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا وَالظُّهْرُ مَعَهَا بِإِحْرَامٍ قَبْلَ الْمَغِيبِ فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ يَقْضِي عَلَى الْآخَرِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ إلَّا مُسْتَقْبِلاً الْقِبْلَةَ لاَ تَزُولُ قَدَمَاهُ وَلاَ وَجْهُهُ عَنْهَا وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمُدُّ صَوْتَهُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ هَذَا الْأَذَانَ. قَالَ: وَيَلْتَوِي فِي: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ يَمِينًا وَشِمَالاً لِيُسْمِعَ النَّوَاحِيَ وَحَسَنٌ أَنْ يَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَيَكُونُ عَلَى طُهْرٍ، فَإِنْ أَذَّنَ جُنُبًا كَرِهْته وَأَجْزَأَهُ وَأُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ وَأَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ فَإِنْ تَكَلَّمَ لَمْ يُعِدْ وَمَا فَاتَ وَقْتُهُ أَقَامَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حُبِسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوًى مِنْ اللَّيْلِ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَقَامَ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَجَمَعَ بِعَرَفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَبِمُزْدَلِفَةَ بِإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُؤَذَّنْ فَدَلَّ أَنَّ مَنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا فَبِأَذَانٍ وَفِي الْآخِرَةِ فَبِإِقَامَةٍ وَغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ وَلاَ وَحْدَهُ إلَّا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ أَجْزَأَهُ وَأُحِبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَجْزَأَهَا وَمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَحْبَبْت أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَلاَةٍ فَإِذَا فَرَغَ قَالَهُ وَتَرْكُ الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ وَأَخَفُّ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ مَرَّتَيْنِ. وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ أَبُو مَحْذُورَةَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ أَمَرَ بِلاَلاً بِأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ قِيلَ: لَهُ فَأَنْتَ تُثَنِّي اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَتَجْعَلُهَا مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ قَدْ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَزِيدُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ التَّثْوِيبَ وَهُوَ الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ وَرَوَاهُ عَنْ بِلاَلٍ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَكَرِهَهُ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ لَمْ يَحْكِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَقِيَاسُ قَوْلَيْهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ أَوْلَى بِهِ فِي الْأَخْبَارِ كَمَا أُخِذَ فِي التَّشَهُّدِ بِالزِّيَادَةِ وَفِي دُخُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ بِزِيَادَةِ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ وَتَرَكَ مَنْ قَالَ لَمْ يَفْعَلْ. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُجْعَلَ مُؤَذِّنُ الْجَمَاعَةِ إلَّا عَدْلاً ثِقَةً لِإِشْرَافِهِ عَلَى النَّاسِ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ صَيِّتًا وَأَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ أَرَقَّ لِسَامِعِهِ، وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُتَرَسِّلاً بِغَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلاَ يُغَنِّي فِيهِ وَأُحِبُّ الْإِقَامَةَ إدْرَاجًا مُبِينًا وَكَيْفَمَا جَاءَ بِهِمَا أَجْزَأَ. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلَّى بِهِ فَاضِلاً عَالِمًا قَارِئًا وَأَيُّ النَّاسِ أَذَّنَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي حَفِظْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلاَلٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ أَكْثَرَ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلاَ يَرْزُقُهُمْ الْإِمَامُ وَهُوَ يَجِدُ مُتَطَوِّعًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُتَطَوِّعًا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَلاَ يَرْزُقُهُ إلَّا مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ الْفَيْءِ وَلاَ مِنْ الصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مَالِكًا مَوْصُوفًا وَأُحِبُّ الْأَذَانَ لِمَا جَاءَ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ}. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَعْجِيلُ الصَّلاَةِ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا إلَّا أَنْ يَشْتَدَّ الْحَرُّ فَيُبْرَدَ بِهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ} وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ} وَأَقَلُّ مَا لِلْمُصَلِّي فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا مُحَافِظًا وَمِنْ الْمُخَاطَرَةِ بِالنِّسْيَانِ وَالشُّغْلِ وَالْآفَاتِ خَارِجًا وَرِضْوَانُ اللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ صَلاَةُ فَرِيضَةٍ وَلاَ نَافِلَةٍ وَلاَ سُجُودُ قُرْآنٍ وَلاَ جِنَازَةٍ إلَّا مُتَوَجِّهًا إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى رُؤْيَتِهِ إلَّا فِي حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا النَّافِلَةُ فِي السَّفَرِ رَاكِبًا وَطَوِيلُ السَّفَرِ وَقَصِيرُهُ سَوَاءٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ} وَأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلاَ فَرْضَ إلَّا الْخَمْسُ {لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ} وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ شِدَّةُ الْخَوْفِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {, فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً، أَوْ رُكْبَانًا} قَالَ ابْنُ عُمَرَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا فَلاَ يُصَلِّي فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ إلَّا إلَى الْبَيْتِ إنْ كَانَ مُعَايَنًا فَبِالصَّوَابِ وَإِنْ كَانَ مَغِيبًا فَبِالِاجْتِهَادِ بِالدَّلاَئِلِ عَلَى صَوَابِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ لَمْ يَسْعَ أَحَدَهُمَا اتِّبَاعُ صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَيْمُ وَخَفِيَتْ الدَّلاَئِلُ عَلَى رَجُلٍ فَهُوَ كَالْأَعْمَى وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَنْ دَلَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ أَعْمَى وَسِعَهُ اتِّبَاعُهُ وَلاَ يَسَعُ بَصِيرًا خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلاَئِلُ اتِّبَاعُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: لاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ مَنْ جَهِلَهَا لِعَدَمِ الْبَصَرِ وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلاَئِلُ كَالْأَعْمَى فَهُمَا سَوَاءٌ. قَالَ وَلاَ تَتْبَعْ دَلاَلَةَ مُشْرِكٍ بِحَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ اجْتَهَدَ فَصَلَّى إلَى الْمَشْرِقِ، ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ إلَى الْغَرْبِ اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ خَطَأِ جِهَتِهَا إلَى يَقِينِ صَوَابِ جِهَتِهَا وَيُعِيدُ الْأَعْمَى مَا صَلَّى مَعَهُ مَتَى أَعْلَمَهُ وَإِنْ كَانَ شَرْقًا، ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ مُنْحَرِفٌ وَتِلْكَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ وَيَعْتَدَّ بِمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَعْمَى يَنْحَرِفُ بِانْحِرَافِهِ وَإِذَا اجْتَهَدَ بِهِ رَجُلٌ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ: قَدْ أَخْطَأَ بِك فَصَدَّقَهُ تَحَرَّفَ حَيْثُ قَالَ لَهُ وَمَا مَضَى مُجْزِئٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ بِهِ مَنْ لَهُ قَبُولُ اجْتِهَادِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ قَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِيمَنْ اجْتَهَدَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ بِأَنْ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَوَخَّى الْقِبْلَةَ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ كَمَالِ الصَّلاَةِ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ كَمَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي خَطَأِ عَرَفَةَ وَاحْتَجَّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: إذَا تَوَخَّى فِي أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالْآخَرَ نَجِسٌ فَصَلَّى، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثَانِيَةً فَكَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّ الَّذِي تَرَكَ هُوَ الطَّاهِرُ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بِتَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً مُتَيَقَّنًا وَلَيْسَ كَالْقِبْلَةِ يَتَوَخَّاهَا فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ يَرَاهَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَّا وَهِيَ قِبْلَةٌ لِقَوْمٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ فَقَدْ أَجَازَ صَلاَتَهُ وَإِنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا كُلِّفَ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ إصَابَةَ الْعَيْنِ لِلْعَجْزِ عَنْهَا فِي حَالِ الصَّلاَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَهَذَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمُصَلِّي فِي الصَّلاَةِ مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَسَتْرٍ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ كُلَّهُ سَاقِطٌ عَنْهُ دُونَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَاءِ عُرْيَانًا فَإِذَا قَدَرَ مِنْ بَعْدُ لَمْ يَعُدْ فَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّوَجُّهِ إلَى عَيْنِ الْقِبْلَةِ كَانَ عَنْهُ أَسْقَطَ وَقَدْ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ ثُمَّ صَلَّى أَهْلُ قُبَاءَ رَكْعَةً إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ أَتَاهُمْ آتٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ فَاسْتَدَارُوا وَبَنَوْا بَعْدَ يَقِينِهِمْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ، وَلَوْ كَانَ صَوَابُ عَيْنِ الْقِبْلَةِ الْمُحَوَّلِ إلَيْهَا فَرْضًا مَا أَجْزَأَهُمْ خِلاَفُ الْفَرْضِ لِجَهْلِهِمْ بِهِ كَمَا لاَ يُجْزِئُ مَنْ تَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَاءٍ طَاهِرٍ لِجَهْلِهِ بِهِ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ فَتَفَهَّمْ- رَحِمَك اللَّهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَدَخَلَ فِي قِيَاسِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ الصَّلاَةِ، أَوْ مَا أُمِرَ بِهِ فِيهَا أَوْ لَهَا أَنَّ ذَلِكَ سَاقِطٌ عَنْهُ لاَ يُعِيدُ إذَا قَدَرَ وَهُوَ أَوْلَى بِأَحَدِ قَوْلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَنْ صَلَّى فِي ظُلْمَةٍ أَوْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلاَئِلُ، أَوْ بِهِ دَمٌ لاَ يَجِدُ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ، أَوْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي نَجِسٍ أَنَّهُ يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَيُعِيدُ إذَا قَدَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ دَخَلَ غُلاَمٌ فِي صَلاَةٍ فَلَمْ يُكْمِلْهَا أَوْ صَوْمِ يَوْمٍ فَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَحْبَبْت أَنْ يُتِمَّ وَيُعِيدَ وَلاَ يَبِينُ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةً. قَالَ الْمُزَنِيّ لاَ يُمْكِنُهُ صَوْمُ يَوْمٍ هُوَ فِي آخِرِهِ غَيْرُ صَائِمٍ وَيُمْكِنُهُ صَلاَةٌ هُوَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا غَيْرُ مُصَلٍّ أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الْعَصْرَ مِنْ أَوَّلِهَا وَلاَ يُمْكِنُهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ أَنْ يَبْتَدِئَ صَوْمَهُ مِنْ أَوَّلِهِ فَيُعِيدُ الصَّلاَةَ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ وَلاَ يُعِيدُ الصَّوْمَ لِارْتِفَاعِ إمْكَانِ الْقُدْرَةِ وَلاَ تَكْلِيفَ مَعَ الْعَجْزِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَحْرَمَ إمَامًا، أَوْ وَحْدَهُ نَوَى صَلاَتَهُ فِي حَالِ التَّكْبِيرِ لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ وَلاَ يُجْزِئُهُ إلَّا قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوْ: اللَّهُ الْأَكْبَرُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ بِالْعَرَبِيَّةِ كَبَّرَ بِلِسَانِهِ. وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَلاَ يُكَبِّرُ إنْ كَانَ إمَامًا حَتَّى تَسْتَوِيَ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَأْخُذُ كُوعَهُ الْأَيْسَرَ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى وَيَجْعَلُهَا تَحْتَ صَدْرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: " وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " ثُمَّ يَتَعَوَّذُ فَيَقُولُ: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " ثُمَّ يَقْرَأُ مُرَتِّلاً بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَبْتَدِئُهَا بِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَعَدَّهَا آيَةً فَإِذَا قَالَ: {وَلاَ الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ فَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ لِيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ خَلْفُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا} وَبِالدَّلاَلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ جَهَرَ بِهَا وَأَمَرَ الْإِمَامَ بِالْجَهْرِ بِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلْيُسْمِعْ مَنْ خَلْفَهُ أَنْفُسَهُمْ، ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ قَائِمًا فَكَانَ فِيهِ وَهُوَ يَهْوِي رَاكِعًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ حِينَ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ وَلاَ يَخْفِضُ عُنُقَهُ عَنْ ظَهْرِهِ وَلاَ يَرْفَعُهُ وَيَكُونُ مُسْتَوِيًا وَيُجَافِي مُرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَيَقُولُ إذَا رَكَعَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمُ " ثَلاَثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ ابْتَدَأَ قَوْلَهُ مَعَ الرَّفْعِ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا قَالَ أَيْضًا " رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " وَيَقُولُهَا مَنْ خَلْفُهُ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هَوَى لِيَسْجُدَ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ قَائِمًا ثُمَّ هَوَى مَعَ ابْتِدَائِهِ حَتَّى يَكُونَ انْقِضَاءُ تَكْبِيرِهِ مَعَ سُجُودِهِ فَأَوَّلُ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ رُكْبَتَاهُ ثُمَّ يَدَاهُ، ثُمَّ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ وَيَكُونُ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ: " سُبْحَان رَبِّي الْأَعْلَى " ثَلاَثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ حَتَّى إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ رِيئَتْ عُفْرَةُ إبْطَيْهِ وَيُفَرِّجُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَيُقِلُّ بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا كَذَلِكَ حَتَّى يَعْتَدِلَ جَالِسًا عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى كَذَلِكَ فَإِذَا اسْتَوَى قَاعِدًا نَهَضَ مُتَعَمِّدًا عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ وَلاَ فِي الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَجْلِسُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَيَبْسُطُ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَيَقْبِضُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى إلَّا الْمُسَبِّحَةَ يُشِيرُ بِهَا مُتَشَهِّدًا. قَالَ الْمُزَنِيّ: يَنْوِي بِالْمُسَبِّحَةِ الْإِخْلاَصَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ قَامَ مُكَبِّرًا مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِثْلَ ذَلِكَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ سِرًّا فَإِذَا قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَاطَ رِجْلَيْهِ جَمِيعًا وَأَخْرَجَهُمَا جَمِيعًا عَنْ وَرِكِهِ الْيُمْنَى وَأَمْضَى بِمَقْعَدِهِ إلَى الْأَرْضِ وَأَضْجَعَ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَوَجَّهَ أَصَابِعَهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَبَسَطَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهَا إلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَأَشَارَ بِهَا مُتَشَهِّدًا، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُو قَدْرًا أَقَلَّ مِنْ التَّشَهُّدِ وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُخَفِّفُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَيَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسَرَّ قَرَأَ مَنْ خَلْفَهُ وَإِذَا جَهَرَ لَمْ يَقْرَأْ مَنْ خَلْفَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: رحمه الله قَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَقْرَأُ مَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ جَهَرَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ وَإِبْرَاهِيمُ يَقُولاَنِ سَمِعْنَا الرُّبَيِّعَ يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهَرَ، أَوْ لَمْ يَجْهَرْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَسَمِعْت الرُّبَيِّعَ يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَحْسَنَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَأَمَّ، أَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا رَدَّدَ بَعْضَ الْآيِ حَتَّى يَقْرَأَ بِهِ سَبْعَ آيَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ يَعْنِي إعَادَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لَمْ أَكْرَهْ أَنْ يُطِيلَ ذِكْرَ اللَّهِ وَتَمْجِيدَهُ وَالدُّعَاءَ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ "، ثُمَّ عَنْ شِمَالِهِ: " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ وَلاَ يَثْبُتُ سَاعَةَ يُسَلِّمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نِسَاءٌ فَيَثْبُتُ لِيَنْصَرِفْنَ قَبْلَ الرِّجَالِ وَيَنْصَرِفُ حَيْثُ شَاءَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَيَقْرَأُ بَيْنَ كُلٍّ سُورَتَيْنِ بسم الله الرحمن الرحيم " فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ ظُهْرًا، أَوْ عَصْرًا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَتْ عِشَاءِ الْآخِرَةِ، أَوْ مَغْرِبًا جَهَرَ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ مِنْهُمَا وَأَسَرَّ فِي بَاقِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ صُبْحًا جَهَرَ فِيهَا كُلِّهَا. قَالَ: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ وَفَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ " قَالَ وَهُوَ قَائِمٌ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْت وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت إنَّك تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْك وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت " وَالْجِلْسَةُ فِيهَا كَالْجِلْسَةِ فِي الرَّابِعَةِ فِي غَيْرِهَا. قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْغَزِّيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ جَعْفَرٍ الدَّارِيِّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا زَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَاحْتَجَّ فِي الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ بِمَا رُوِيَ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ قَتْلِ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةٍ ثُمَّ قَنَتَ بَعْدَ قَتْلِهِمْ فِي الصَّلاَةِ سِوَاهَا، ثُمَّ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي سِوَاهَا} وَقَنَتَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَالتَّشَهُّدُ أَنْ يَقُولَ: " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلاَمٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلاَمٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " يَقُولُ هَذَا فِي الْجِلْسَةِ الْأُولَى وَفِي آخِرِ صَلاَتِهِ فَإِذَا تَشَهَّدَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ فَيَقُولُ " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ ". قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَّمَنِي الصَّلاَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَكَبَّرَ بِنَا فَقَرَأَ بِنَا بسم الله الرحمن الرحيم فَجَهَرَ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ}. قَالَ: وَمَنْ ذَكَرَ صَلاَةً وَهُوَ فِي أُخْرَى أَتَمَّهَا، ثُمَّ قَضَى. قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: التَّشَهُّدُ بِهِمَا مُبَاحٌ فَمَنْ أَخَذَ يَتَشَهَّدُ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يُعَنِّفْ إلَّا أَنَّ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ زِيَادَةً وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي عَمَلِ الصَّلاَةِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَأَنْ تُلْصِقَ بَطْنَهَا فِي السُّجُودِ بِفَخْذَيْهَا كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ وَأُحِبُّ ذَلِكَ لَهَا فِي الرُّكُوعِ وَفِي جَمِيعِ عَمَلِ الصَّلاَةِ وَأَنْ تُكَثِّفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيَهُ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا وَأَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا وَإِنْ نَابَهَا شَيْءٌ فِي صَلاَتِهَا صَفَّقَتْ فَإِنَّمَا التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ وَعَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَنْ تَسْتَتِرَ فِي صَلاَتِهَا حَتَّى لاَ يَظْهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا وَجْهُهَا وَكَفَّاهَا، فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ أَعَادَتْ الصَّلاَةَ، فَإِنْ صَلَّتْ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ أَجْزَأَهَا وَأُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَإِنْ صَلَّى فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، أَوْ سَرَاوِيلَ أَجْزَأَ وَكُلُّ ثَوْبٍ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ وَلاَ يَسْتُرُ لَمْ تُجْزِئْ الصَّلاَةُ فِيهِ. وَمَنْ سَلَّمَ، أَوْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا أَوْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ صُلْبِ الصَّلاَةِ بَنَى مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ ذَلِكَ وَإِنْ تَطَاوَلَ اسْتَأْنَفَ الصَّلاَةَ وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ سَلَّمَ عَامِدًا، أَوْ أَحْدَثَ فِيمَا بَيْنَ إحْرَامِهِ وَبَيْنَ سَلاَمِهِ اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ}. وَإِنْ عَمِلَ فِي الصَّلاَةِ عَمَلاً قَلِيلاً مِثْلُ دَفْعِهِ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ قَتْلِ حَيَّةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ وَيَنْصَرِفُ حَيْثُ شَاءَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ أَحْبَبْت الْيَمِينَ لِمَا كَانَ عليه السلام يُحِبُّ مِنْ التَّيَامُنِ. قَالَ: وَإِنْ فَاتَ رَجُلاً مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ مِنْ الظُّهْرِ قَضَاهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ كَمَا فَاتَهُ وَإِنْ كَانَتْ مَغْرِبًا وَفَاتَهُ مِنْهَا رَكْعَةٌ قَضَاهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَقَعَدَ وَمَا أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلاَتِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قَدْ جَعَلَ هَذِهِ الرَّكْعَةَ فِي مَعْنَى أُولَى يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حُكْمِ الثَّالِثَةِ وَجَعَلَهَا فِي مَعْنَى الثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ بِالْقُعُودِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حُكْمِ الْأُولَى فَجَعْلُهَا آخِرَةً أَوْلَى وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ وَإِذَا قَالَ مَا: أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلاَتِهِ فَالْبَاقِي عَلَيْهِ آخِرُ صَلاَتِهِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلاَتِهِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلاَتِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: فَيَقْرَأُ فِي الثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيُسِرُّ وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ فِيهَا هَذَا أَصَحُّ لِقَوْلِهِ: وَأَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ لاَ يُفْسِدُهَا عَلَيْهِ بِفَسَادِهَا عَلَى إمَامِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ صَلاَتَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا بِالْإِحْرَامِ بِهَا، فَإِنْ فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُهَا فَكَذَلِكَ الْبَاقِي عَلَيْهِ مِنْهَا آخِرُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُصَلِّي الرَّجُلُ قَدْ صَلَّى مَرَّةً مَعَ الْجَمَاعَةِ كُلَّ صَلاَةٍ وَالْأُولَى فَرْضُهُ وَالثَّانِيَةُ سُنَّةٌ بِطَاعَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ قَالَ: {إذَا جِئْت فَصَلِّ وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْت}. قَالَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ إلَّا أَنْ يُومِئَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخَفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ. قَالَ وَأُحِبُّ إذَا قَرَأَ آيَةَ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ أَوْ آيَةَ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ وَالنَّاسُ. قَالَ وَبَلَغَنَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلاَتِهِ. قَالَ وَإِنْ صَلَّتْ إلَى جَنْبِهِ امْرَأَةٌ صَلاَةً هُوَ فِيهَا لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ وَإِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ سَجَدَ فِيهَا. وَسُجُودُ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوَى سَجْدَةِ " ص " فَإِنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ فُضِّلَتْ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْجُدُ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ. قَالَ وَسَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي: {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَعُمَرُ فِي {وَالنَّجْمِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الْمُفَصَّلِ سُجُودًا وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَاحْتُجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ وَتَرَكَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ. وَيُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ وَعَلَى ظَهْرِهَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ مَا يَكُونُ سُتْرَةً لِمُصَلٍّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يُصَلِّ إلَى غَيْرِ شَيْءٍ مِنْ الْبَيْتِ، وَيَقْضِي الْمُرْتَدُّ كُلَّ مَا تَرَكَ فِي الرِّدَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَمَنْ شَكَّ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلاَثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ}. قَالَ وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ سَجَدَ، أَوْ لَمْ يَسْجُدْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، أَوْ لَمْ يَقْعُدْ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِلرَّابِعَةِ وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. فَإِنْ نَسِيَ الْجُلُوسَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَذَكَرَ فِي ارْتِفَاعِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى صَلاَتِهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَإِنْ جَلَسَ فِي الْأُولَى فَذَكَرَ قَامَ وَبَنَى وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَإِنْ ذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ نَاسٍ لِسَجْدَةٍ مِنْ أُولَى بَعْدَمَا اعْتَدَلَ قَائِمًا فَلْيَسْجُدْ لِلْأُولَى حَتَّى تَتِمَّ قَبْلَ الثَّانِيَةِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى، فَإِنَّ عَمَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلاَ عَمَلٍ فَإِذَا سَجَدَ فِيهَا كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتْ الْأُولَى بِهَذِهِ السَّجْدَةِ وَسَقَطَتْ الثَّانِيَةُ. وَإِنْ ذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِنَّ الْأُولَى صَحِيحَةٌ إلَّا سَجْدَةً وَعَمَلُهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلاَ عَمَلٍ فَلَمَّا سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةً كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتْ الْأُولَى وَبَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَكَانَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً فَلَمَّا قَامَ فِي ثَالِثَةٍ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الثَّانِيَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثَالِثَةً كَانَ عَمَلُهُ كَلاَ عَمَلٍ فَلَمَّا سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةً كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الثَّانِيَةِ فَتَمَّتْ الثَّانِيَةُ وَبَطَلَتْ الثَّالِثَةُ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ رَابِعَةً ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلاَمِ، وَعَلَى هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ. قَالَ وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لاَ؟ فَلاَ سَهْوَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَيْقَنَ السَّهْوَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَمْ لاَ؟ سَجَدَهُمَا وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ سَجْدَةً أَوَسَجْدَتَيْنِ سَجَدَ أُخْرَى وَإِنْ سَهَا سَهْوَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَتَا السَّهْوِ وَمَا سَهَا عَنْهُ مِنْ تَكْبِيرٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، أَوْ ذِكْرٍ فِي رُكُوعٍ، أَوْ فِي سُجُودٍ، أَوْ جَهَرَ فِيمَا يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ، أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يَجْهَرُ فَلاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ إلَّا فِي عَمَلِ الْبَدَنِ. وَإِنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ فَإِنْ ذَكَرَ قَرِيبًا أَعَادَهُمَا وَسَلَّمَ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ. وَمَنْ سَهَا خَلْفَ إمَامِهِ فَلاَ سُجُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَهَا إمَامُهُ سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ سَجَدَ مِنْ خَلْفِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَهُ إمَامُهُ بِبَعْضِ صَلاَتِهِ سَجَدَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ اتِّبَاعًا لِإِمَامِهِ لاَ لِمَا يَبْقَى مِنْ صَلاَتِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَسْجُدُ مَعَهُ مَا لَيْسَ مِنْ فَرْضِي فِيمَا أَدْرَكْت مَعَهُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَ عَنِّي اتِّبَاعُهُ وَكُلٌّ يُصَلِّي عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: سَمِعْت الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَقُولُ إذَا كَانَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَشَهَّدَ لَهُمَا وَإِذَا كَانَتَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَجْزَأَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا تَكَلَّمَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا بَنَى وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَوَى {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَاهِيًا فَبَنَى} وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ بِمَكَّةَ لَمَّا قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْعَمْدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ سُجُودَ الشُّكْرِ وَيَسْجُدُ الرَّاكِبُ إيمَاءً وَالْمَاشِي عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا كَبَّرَ وَلاَ يَسْجُدُ إلَّا طَاهِرًا. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَرُوِيَ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى نُغَاشًا فَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ} وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بَلَغَهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ شُكْرًا. قَالَ الْمُزَنِيّ: النُّغَاشُ النَّاقِصُ الْخَلْقِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ عَمَلِ الصَّلاَةِ أَنْ يُحْرِمَ وَيَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَبْتَدِئُهَا بِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إنْ أَحْسَنَهَا وَيَرْكَعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا وَيَرْفَعَ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَيَسْجُدَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ سَاجِدًا عَلَى الْجَبْهَةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ حَتَّى يَعْتَدِلَ جَالِسًا، ثُمَّ يَسْجُدَ الْأُخْرَى كَمَا وَصَفْت، ثُمَّ يَقُومُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي كُلِّسَ رَكْعَةٍ وَيَجْلِسَ فِي الرَّابِعَةِ وَيَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمَةً يَقُولُ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأْته صَلاَتُهُ وَضَيَّعَ حَظَّ نَفْسِهِ فِيمَا تَرَكَ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ مَكَانَ أُمِّ الْقُرْآنِ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ قَرَأَ بِقَدْرِهَا سَبْعَ آيَاتٍ لاَ يُجْزِئُهُ دُونَ ذَلِكَ. قَالَ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ حَرْفًا وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ رَجَعَ إلَيْهِ وَأَتَمَّهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الصَّلاَةِ وَتَطَاوَلَ ذَلِكَ أَعَادَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الظُّهْرِ شَبِيهًا بِقِرَاءَةِ الصُّبْحِ وَفِي الْعَصْرِ نَحْوًا مِمَّا يَقْرَؤُهُ فِي الْعِشَاءِ وَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَ" إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ " وَمَا أَشْبَهَهَا فِي الطُّولِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالْعَادِيَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِقَوْمٍ أَعَادَ وَلَمْ يُعِيدُوا وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْعَبَّاسِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: يَقُولُ كَمَا لاَ يُجْزِئُ عَنِّي فِعْلُ إمَامِي فَكَذَلِكَ لاَ يَفْسُدُ عَلَى فَسَادِ إمَامِي، وَلَوْ كَانَ مَعْنَايَ فِي إفْسَادِهِ مَعْنَاهُ لَمَا جَازَ أَنْ يُحْدِثَ فَيَنْصَرِفُ وَأَبْنِي وَلاَ أَنْصَرِفُ وَقَدْ بَطَلَتْ إمَامَتُهُ وَاتِّبَاعِي لَهُ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاَتِي وَلاَ طَهَارَتِي بِانْتِقَاضِ طُهْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ دَمٍ، أَوْ قَيْحٍ وَكَانَ قَلِيلاً مِثْلَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَا يَتَعَافَاهُ النَّاسُ لَمْ يُعِدْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلاً بَوْلاً، أَوْ عَذِرَةً، أَوْ خَمْرًا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِ الْوَقْتِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَلاَ يَعْدُو مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا فَرْضَهُ، أَوْ غَيْرَ مُؤَدٍّ وَلَيْسَ ذَهَابُ الْوَقْتِ بِمُزِيلٍ مِنْهُ فَرْضًا لَمْ يُؤَدِّهِ وَلاَ إمْكَانُ الْوَقْتِ بِمُوجِبٍ عَلَيْهِ إعَادَةَ فَرْضٍ قَدْ أَدَّاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ دَمٍ، أَوْ قَيْحٍ وَكَانَ قَلِيلاً مِثْلَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَا يَتَعَافَاهُ النَّاسُ لَمْ يُعِدْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلاً بَوْلاً، أَوْ عَذِرَةً، أَوْ خَمْرًا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِ الْوَقْتِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَلاَ يَعْدُو مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا فَرْضَهُ، أَوْ غَيْرَ مُؤَدٍّ وَلَيْسَ ذَهَابُ الْوَقْتِ بِمُزِيلٍ مِنْهُ فَرْضًا لَمْ يُؤَدِّهِ وَلاَ إمْكَانُ الْوَقْتِ بِمُوجِبٍ عَلَيْهِ إعَادَةَ فَرْضٍ قَدْ أَدَّاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ وَلاَ يَعْرِفُهُ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَيُصَلِّي فِيهِ وَيُجْزِئُهُ، وَكَذَلِكَ إنَاءَانِ مِنْ مَاءٍ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّحَرِّي وَيُجْزِئُهُ وَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ غَسَلَهُ كُلَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ. وَإِنْ أَصَابَ ثَوْبَ الْمَرْأَةِ مِنْ دَمِ حَيْضِهَا قَرَصَتْهُ بِالْمَاءِ حَتَّى تُنَقِّيَهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى بِثَوْبِ الْحَائِضِ وَالثَّوْبِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَإِنْ صَلَّى فِي ثَوْبِ نَصْرَانِيٍّ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ قَذِرًا، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَأَصْلُ الْأَبْوَالِ وَمَا خَرَجَ مِنْ مَخْرَجِ حَيٍّ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ نَجَسٌ إلَّا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ مِنْ الرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ مَا لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ وَلاَ يَتَبَيَّنُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ، وَلَوْ غُسِلَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَيَفْرُكُ الْمَنِيَّ فَإِنْ صَلَّى بِهِ وَلَمْ يَفْرُكْهُ فَلاَ بَأْسَ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَمِطْهُ عَنْك بِإِذْخِرَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ كَبُصَاقٍ أَوْ مُخَاطٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُصَلَّى عَلَى جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا ذُكِّيَ وَفِي صُوفِهِ وَشَعْرِهِ وَرِيشِهِ إذَا أُخِذَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ، وَلاَ يَصِلُ مَا انْكَسَرَ مِنْ عَظْمِهِ إلَّا بِعَظْمِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا، فَإِنْ رَقَّعَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَلْعِهِ، فَإِنْ مَاتَ صَارَ مَيِّتًا كُلُّهُ، وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَلاَ تَصِلُ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِشَعْرِ إنْسَانٍ وَلاَ شَعْرِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِحَالٍ. وَإِنْ بَالَ رَجُلٌ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ أَرْضٍ يُطَهَّرُ بِأَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي- بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ- {صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ وَإِنْ بَالَ اثْنَانِ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا دَلْوَانِ وَالْخَمْرُ فِي الْأَرْضِ كَالْبَوْلِ وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ رِيحُهُ. وَإِنْ صَلَّى فَوْقَ قَبْرٍ، أَوْ إلَى جَنْبِهِ وَلَمْ يَنْبُشْ أَجْزَأَهُ وَمَا خَالَطَ التُّرَابَ مِنْ نَجِسٍ لاَ تُنَشِّفُهُ الْأَرْضُ إنَّمَا يَتَفَرَّقُ فِيهِ فَلاَ يُطَهِّرُهُ إلَّا الْمَاءُ وَإِنْ ضُرِبَ لَبَنٌ فِيهِ بَوْلٌ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِمَا تَطْهُرُ بِهِ الْأَرْضُ مِنْ الْبَوْلِ، وَالنَّارُ لاَ تُطَهِّرُ شَيْئًا. وَالْبِسَاطُ كَالْأَرْضِ إنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ طَاهِرٍ وَالْبَاقِي نَجِسٌ وَلَمْ تَسْقُطْ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ أَجْزَأَهُ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ فِي الْمَسْجِدِ مَارًّا وَلاَ يُقِيمُ فِيهِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ- جَلَّ ذِكْرُهُ-: {وَلاَ جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}. قَالَ وَذَلِكَ عِنْدِي مَوْضِعُ الصَّلاَةِ. قَالَ: وَأَكْرَهُ مَمَرَّ الْحَائِضِ فِيهِ. قَالَ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: {فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}. قَالَ الْمُزَنِيّ: فَإِذَا بَاتَ فِيهِ الْمُشْرِكُ فَالْمُسْلِمُ الْجُنُبُ أَوْلَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ وَيَبِيتَ وَأُحِبُّ إعْظَامَ الْمَسْجِدِ عَنْ أَنْ يَبِيتَ فِيهِ الْمُشْرِكُ، أَوْ يَقْعُدَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: {وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّهَا جِنٌّ مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ} وَكَمَا {قَالَ حِينَ نَامُوا عَنْ الصَّلاَةِ: اُخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّ بِهِ شَيْطَانًا} فَكَرِهَ قُرْبَهُ لاَ لِنَجَاسَةِ الْإِبِلِ وَلاَ مَوْضِعًا فِيهِ شَيْطَانٌ وَقَدْ مَرَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْطَانٌ فَخَنَقَهُ وَلَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ وَمَرَاحُ الْغَنَمِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ الصَّلاَةُ الَّذِي لاَ بَوْلَ فِيهِ وَلاَ بَعْرَ وَالْعَطَنُ مَوْضِعٌ قُرْبَ الْبِئْرِ الَّذِي يَتَنَحَّى إلَيْهِ الْإِبِلُ لِيَرِدَ غَيْرُهَا الْمَاءَ لاَ الْمَرَاحُ الَّذِي تَبِيتُ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ} وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَّا بِمَكَّةَ إلَّا بِمَكَّةَ إلَّا بِمَكَّةَ " وَعَنْ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرُبَتْ فَارَقَهَا} وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلاَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ} وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ مِنْ أَمْرَ النَّاسِ شَيْئًا فَلاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، أَوْ صَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا أَقُولُ وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عَنْ التَّطَوُّعِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلتَّهْجِيرِ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَأَمَّا صَلاَةُ فَرْضٍ، أَوْ جِنَازَةٍ، أَوْ مَأْمُورٍ بِهَا مُؤَكَّدَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا، أَوْ كَانَ يُصَلِّيهَا فَأَغْفَلَهَا فَتُصَلَّى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِالدَّلاَلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ {مَنْ نَسِيَ صَلاَةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا} {وَبِأَنَّهُ عليه السلام رَأَى قَيْسًا يُصَلِّي بَعْدَ الصُّبْحِ فَقَالَ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ؟ قَالَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ} {وَبِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ هُمَا رَكْعَتَانِ كُنْت أُصَلِّيهِمَا فَشَغَلَنِي عَنْهُمَا الْوَفْدُ} وَثَبَتَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ {أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ} فَأُحِبُّ فَضْلَ الدَّوَامِ وَصَلَّى النَّاسُ عَلَى جَنَائِزِهِمْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي نَهَى فِيهَا عَنْهَا إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت وَالنَّهْيُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ ثَابِتٌ إلَّا بِمَكَّةَ وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ مُخْتَلِفٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا: هَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ فِيمَنْ نَسِيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَالْوِتْرَ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ أَنَّهُ لاَ يُعِيدُ وَاَلَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَأَشْبَهُ عِنْدِي بِأَصْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ ذَكَرَ صَلاَةً وَهُوَ فِي أُخْرَى أَتَمَّهَا، ثُمَّ قَضَى وَإِنْ ذَكَرَ خَارِجَ الصَّلاَةِ بَدَأَ بِهَا، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ الَّتِي حَضَرَتْ بَدَأَ بِهَا ثُمَّ قَضَى. قَالَ الْمُزَنِيّ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَقُولُ الشَّافِعِيِّ التَّطَوُّعُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: صَلاَةُ جَمَاعَةٍ مُؤَكَّدَةٍ لاَ أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهِيَ صَلاَةُ الْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلاَةُ مُنْفَرِدٍ وَصَلاَةُ بَعْضِهَا أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ فَأَوْكَدُ ذَلِكَ الْوِتْرُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلاَةَ التَّهَجُّدِ ثُمَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَسْوَأُ حَالاً مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ وَقَالُوا إنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ حَتَّى تُقَامَ الصُّبْحُ لَمْ يَقْضِ وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الظُّهْرُ لَمْ يَقْضِ وَلاَ أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ أُوجِبْهُمَا وَقَالَ: إنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ لَمْ يَقْضِ وَإِنْ فَاتَهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ صَلاَةُ الظُّهْرِ لَمْ يَقْضِ وَقَالُوا فَأَمَّا صَلاَةُ فَرِيضَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ، أَوْ مَأْمُورٍ بِهَا مُؤَكَّدَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا أَوْ كَانَ يُصَلِّيهَا فَأَغْفَلَهَا فَلْيُصَلِّ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالدَّلاَلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ {مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا} {وَبِأَنَّهُ عليه السلام رَأَى قَيْسًا يُصَلِّي بَعْدَ الصُّبْحِ فَقَالَ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ؟ فَقَالَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ} {وَبِأَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ هُمَا رَكْعَتَانِ كُنْت أُصَلِّيهِمَا فَشَغَلَنِي عَنْهُمَا الْوَفْدُ} وَثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ} وَأُحِبُّ فَضْلَ الدَّوَامِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: يُقَالُ لَهُمْ فَإِذَا سَوَّيْتُمْ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ التَّطَوُّعِ الَّذِي لَيْسَ بِأَوْكَدَ وَبَيْنَ الْفَرْضِ لِدَوَامِ التَّطَوُّعِ الَّذِي لَيْسَ بِأَوْكَدَ فَلِمَ أَبَيْتُمْ قَضَاءَ الْوِتْرِ الَّذِي هُوَ أَوْكَدُ، ثُمَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ فِي التَّأْكِيدِ اللَّتَيْنِ هُمَا أَوْكَدُ؟ أَفَتَقْضُونَ الَّذِي لَيْسَ بِأَوْكَدَ وَلاَ تَقْضُونَ الَّذِي هُوَ أَوْكَدُ؟ وَهَذَا مِنْ الْقَوْلِ غَيْرُ مُشْكِلٍ- وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ- وَمِنْ احْتِجَاجِكُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ {مَنْ نَسِيَ صَلاَةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا} فَقَدْ خَالَفْتُمْ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ فِي هَذَا، فَإِنْ قَالُوا فَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْقُرْبِ لاَ عَلَى الْبُعْدِ قِيلَ لَهُمْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى مَعْنَى مَا قُلْتُمْ أَنْ لاَ يَقْضِيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ نِصْفَ النَّهَارِ لِبُعْدِ قَضَائِهِمَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: يَقْضِي مَا لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَهَذَا مُتَبَاعِدٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا إنْ صَلَّى الصُّبْحَ عِنْدَ الْفَجْرِ آنَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ الْوِتْرَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا إلَى الْفَجْرِ أَقْرَبُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ} فَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْوَقْتِ وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَهُ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ مَا اعْتَلَلْتُمْ بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: الْفَرْضُ خَمْسٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ {لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ لاَ إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالتَّطَوُّعُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا صَلاَةُ جَمَاعَةٍ مُؤَكَّدَةٍ فَلاَ أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهِيَ صَلاَةُ الْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلاَةِ مُنْفَرِدٍ وَبَعْضُهَا أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ فَأَوْكَدُ ذَلِكَ الْوِتْرُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلاَةَ التَّهَجُّدِ، ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَلاَ أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلاَ أُوجِبُهُمَا، وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَسْوَأُ حَالاً مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ. قَالَ: وَإِنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ لَمْ يَقْضِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ. قَالَ: فَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الظُّهْرُ لَمْ يَقْضِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى} وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّوَافِلَ مَثْنَى مَثْنَى بِسَلاَمٍ مَقْطُوعَةً وَالْمَكْتُوبَةَ مَوْصُولَةٌ، وَالْأُخْرَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ فَيُصَلِّي النَّافِلَةَ مَثْنَى مَثْنَى قَائِمًا وَقَاعِدًا إذَا كَانَ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَحَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْوِتْرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ. قَالَ: فَأَمَّا قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلاَةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَرَأَيْتهمْ بِالْمَدِينَةِ يَقُومُونَ بِتِسْعٍ وَثَلاَثِينَ وَأَحَبُّ إلَيَّ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ يَقُومُونَ بِمَكَّةَ وَيُوتِرُونَ بِثَلاَثٍ. قَالَ: وَلاَ يُقْنَتُ فِي رَمَضَانَ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ وَمُعَاذٌ الْقَارِي. قَالَ: وَآخِرُ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَوَّلِهِ، فَإِنْ جَزَّأَ اللَّيْلَ أَثْلاَثًا فَالْأَوْسَطُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُومَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِهِ وَمَالِكِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَيَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ وَالْحُجَّةُ فِي الْوِتْرِ بِوَاحِدَةٍ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ. رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى} وَعَنْ عَائِشَةَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ} وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ وَأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ بِرَكْعَةٍ هِيَ وِتْرُهُ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصَابَ. قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا فَهَذَا بِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ يُوتِرُ بِثَلاَثٍ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ قَوْلَهُ: لاَ يُحِبُّ أَنْ يُوتِرَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ وَيُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ فَصَلَهُمَا مِمَّا بَعْدَهُمَا وَأَنْكَرَ عَلَى الْكُوفِيِّ يُوتِرُ بِثَلاَثٍ كَالْمَغْرِبِ فَالْوِتْرُ بِوَاحِدَةٍ أَوْلَى بِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَلاَ أَعْلَمُ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْقُنُوتِ مِنْ الْوِتْرِ وَيُشْبِهُ قَوْلَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا قَالَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَلَمَّا كَانَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَهُوَ دُعَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالْقُنُوتِ الَّذِي هُوَ دُعَاءٌ أَشْبَهَ؛ وَلِأَنَّ مَنْ قَالَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا، ثُمَّ يَدْعُو وَإِنَّمَا حُكْمُ مَنْ كَبَّرَ بَعْدَ الْقِيَامِ إنَّمَا هُوَ لِلرُّكُوعِ فَهَذِهِ تَكْبِيرَةٌ زَائِدَةٌ فِي الصَّلاَةِ لَمْ تَثْبُتْ بِأَصْلٍ وَلاَ قِيَاسٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أُرَخِّصُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ فِي تَرْكِ إتْيَانِهَا إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَإِنْ جَمَعَ فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ وَإِنْ صَغُرَ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَالْمَسْجِدُ الْأَعْظَمُ وَحَيْثُ كَثُرَتْ الْجَمَاعَاتُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَرُوِيَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ: أَلاَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ} وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلاَةِ} قَالَ فِيهِ أَقُولُ لِأَنَّ الْغَائِطَ يَشْغَلُهُ عَنْ الْخُشُوعِ قَالَ فَإِذَا حَضَرَ فِطْرُهُ أَوْ طَعَامٌ مُطَرٍّ وَبِهِ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَكَانَتْ نَفْسُهُ شَدِيدَةَ التَّوَقَانِ إلَيْهِ أَرْخَصْت لَهُ فِي تَرْكِ إتْيَانِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَقَدْ احْتَجَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ}. قَالَ الْمُزَنِيّ: فَتَأَوَّلَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِئَلَّا يُشْغِلَهُ مُنَازَعَةُ نَفْسِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ فَرْضِ الصَّلاَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ فِي الصَّلاَةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ قِيَامًا أَجْزَأَتْهُ وَإِيَّاهُمْ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَفِعْلُهُ الْآخِرُ نَاسِخٌ لِفِعْلِهِ الْأَوَّلِ وَفَرَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا إذَا لَمْ يَقْدِرْ قَائِمًا وَعَلَى الصَّحِيحِ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَكُلٌّ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ، فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ جَالِسًا رَكْعَةً ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ قَامَ فَأَتَمَّ صَلاَتَهُ، فَإِنْ تَرَكَ الْقِيَامَ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَتَمَّتْ صَلاَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا بِصِحَّتِهِ، وَتَرْكُهُ الْقِيَامَ فِي الصَّلاَةِ فَيَتَّبِعُونَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى قَائِمًا رَكْعَةً، ثُمَّ ضَعُفَ عَنْ الْقِيَامِ، أَوْ أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ مَانِعَةٌ فَلَهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْنِيَ عَلَى صَلاَتِهِ. وَإِنْ صَلَّتْ أَمَةٌ رَكْعَةً مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ إنْ كَانَ الثَّوْبُ قَرِيبًا مِنْهَا وَتَبْنِيَ عَلَى صَلاَتِهَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، أَوْ كَانَ الثَّوْبُ بَعِيدًا مِنْهَا بَطَلَتْ صَلاَتُهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا: وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي عُرْيَانًا لاَ يَجِدُ ثَوْبًا، ثُمَّ يَجِدُهُ وَالْمُصَلِّي خَائِفًا، ثُمَّ يَأْمَنُ وَالْمُصَلِّي مَرِيضًا يُومِئُ ثُمَّ يَصِحُّ، أَوْ يُصَلِّي وَلاَ يُحْسِنُ أُمَّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُحْسِنُ أَنَّ مَا مَضَى جَائِزٌ عَلَى مَا كُلِّفَ وَمَا بَقِيَ عَلَى مَا كُلِّفَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يُؤَدِّبُوا أَوْلاَدَهُمْ وَيُعَلِّمُوهُمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلاَةَ وَيَضْرِبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ إذَا عَقَلُوا فَمَنْ احْتَلَمَ، أَوْ حَاضَ، أَوْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَ سَنَةً لَزِمَهُ الْفَرْضُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِقَوْمٍ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَجَاءَ قَوْمٌ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ يَنْوُونَ الْعَصْرَ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلاَةُ جَمِيعًا وَقَدْ أَدَّى كُلٌّ فَرْضَهُ وَقَدْ {أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ الْمَكْتُوبَةَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ بِقَوْمِهِ} هِيَ لَهُ نَافِلَةٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ وَقَدْ كَانَ عَطَاءٌ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ الْقُنُوتَ، ثُمَّ يَعْتَدُّ بِهَا مِنْ الْعَتَمَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَبَنَى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَتَمَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَإِذَا جَازَ أَنْ يَأْتَمَّ الْمُصَلِّي نَافِلَةً خَلْفَ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً فَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً خَلْفَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً وَفَرِيضَةً وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا أَحَسَّ الْإِمَامُ بِرَجُلٍ وَهُوَ رَاكِعٌ لَمْ يَنْتَظِرْهُ وَلْتَكُنْ صَلاَتُهُ خَالِصَةً لِلَّهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا وَرَأَيْت فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِانْتِظَارِهِ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى مَنْ قَصَّرَ فِي إتْيَانِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُؤْتَمُّ بِالْأَعْمَى وَبِالْعَبْدِ وَأَكْرَهُ إمَامَةَ مَنْ يَلْحَنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحِيلُ الْمَعْنَى، فَإِنْ أَحَالَ، أَوْ لَفَظَ بِالْعَجَمِيَّةِ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْهُ دُونَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا أَجْزَأَتْهُمْ. وَأَكْرَهُ إمَامَةَ مَنْ بِهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ، فَإِنْ أَمَّ أَجْزَأَ إذَا قَرَأَ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلاَةِ وَلاَ يَؤُمُّ أَرَتُّ وَلاَ أَلْثَغُ وَلاَ يَأْتَمُّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلاَ بِخُنْثَى، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ. وَأَكْرَهُ إمَامَةَ الْفَاسِقِ وَالْمُظْهِرِ لِلْبِدَعِ وَلاَ يُعِيدُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمَا، فَإِنْ أَمَّ أُمِّيٌّ بِمَنْ يَقْرَأُ أَعَادَ الْقَارِئُ وَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ مِثْلُهُ أَجْزَأَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قَدْ أَجَازَ صَلاَةَ مَنْ ائْتَمَّ بِجُنُبٍ وَالْجُنُبُ لَيْسَ فِي صَلاَةٍ فَكَيْفَ لاَ يَجُوزُ مَنْ ائْتَمَّ بِأُمِّيٍّ وَالْأُمِّيُّ فِي صَلاَةٍ وَقَدْ وُضِعَتْ الْقِرَاءَةُ عَنْ الْأُمِّيِّ وَلَمْ يُوضَعْ الطُّهْرُ عَنْ الْمُصَلِّي وَأَصْلُهُ أَنَّ كُلًّا مُصَلٍّ عَنْ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يُجْزِئُهُ خَلْفَ الْعَاصِي بِتَرْكِ الْغُسْلِ وَلاَ يُجْزِئُهُ خَلْفَ الْمُطِيعِ الَّذِي لَمْ يُقَصِّرْ وَقَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى قَاعِدًا بِقِيَامٍ وَفَقْدُ الْقِيَامِ أَشَدُّ مِنْ فَقْدِ الْقِرَاءَةِ فَنَفْهَمُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ خَلْفَ جُنُبٍ وَامْرَأَةٍ وَمَجْنُونٍ وَكَافِرٍ يُجْزِئُهُ صَلاَتُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ لاَ نُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ بِفَسَادِهَا عَلَى غَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ لِلطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَتُهَا مَعَ الْإِمَامِ إذَا نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَقَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْإِمَامِ وَأَجْزَأَتْهُمْ عِنْدَهُ. قَالَ: وَلاَ يَكُونُ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّنْ تَرَكَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَدْ أَجَازَ لِمَنْ صَلَّى رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا إمَامُهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا وَصَفْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ ائْتَمَّ بِكَافِرٍ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إسْلاَمًا مِنْهُ وَعُزِّرَ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لاَ يَكُونُ إمَامًا بِحَالٍ وَالْمُؤْمِنَ يَكُونُ إمَامًا فِي الْأَحْوَالِ الظَّاهِرَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَحْرَمَ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ جَاءَ الْإِمَامُ فَتَقَدَّمَ بِجَمَاعَةٍ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكْمِلَ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ يَكُونَانِ لَهُ نَافِلَةً وَيَبْتَدِئُ الصَّلاَةَ مَعَهُ وَكَرِهْت لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا صَلاَةَ انْفِرَادٍ ثُمَّ يَجْعَلَهَا صَلاَةَ جَمَاعَةٍ وَهَذَا يُخَالِفُ صَلاَةَ الَّذِينَ افْتَتَحَ بِهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ افْتَتَحُوا الصَّلاَةَ جَمَاعَةً وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: قَالَ قَائِلٌ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَعْتَدُّ بِمَا مَضَى. قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا عِنْدِي عَلَى أَصْلِهِ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةٍ فَلَمْ يَضُرَّهُمْ وَصَحَّ إحْرَامُهُمْ وَلاَ إمَامَ لَهُمْ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِهِمْ وَقَدْ سَبَقُوهُ بِالْإِحْرَامِ، وَكَذَلِكَ سَبَقَهُ أَبُو بَكْرٍ بِبَعْضِ الصَّلاَةِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَحْرَمَ وَائْتَمَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَمَّ رَجُلٌ رَجُلاً قَامَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ خُنْثَى مُشْكِلاً، أَوْ امْرَأَةً قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَلْفَهُ وَحْدَهُ وَرُوِيَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَّ أَنَسًا وَعَجُوزًا مُنْفَرِدَةً خَلْفَ أَنَسٍ} {وَرَكَعَ أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ وَخَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةٍ}. قَالَ وَإِنْ صَلَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ امْرَأَةٌ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ {كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ}. قَالَ وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي طَرَفِهِ وَلَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، أَوْ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ صَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: فَإِنْ صَلَّى قُرْبَ الْمَسْجِدِ وَقُرْبُهُ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَتَّصِلَ بِشَيْءٍ بِالْمَسْجِدِ لاَ حَائِلَ دُونَهُ فَيُصَلِّيَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ فِنَائِهِ عَلَى قَدْرِ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ أَوَثَلَثِمِائَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّحْرَاءُ وَالسَّفِينَةُ وَالْإِمَامُ فِي أُخْرَى، وَلَوْ أَجَزْت أَبْعَدَ مِنْ هَذَا أَجَزْت أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مِيلٍ وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلاَةِ الْإِمَامِ مَنْ عَلِمَهَا وَلاَ أَقُولُ بِهَذَا. قَالَ الْمُزَنِيّ: قَدْ أَجَازَ الْقُرْبَ فِي الْإِبِلِ بِلاَ تَأْقِيتُ وَهُوَ عِنْدِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتِ لاَ يُدْرَكُ إلَّا بِخَبَرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ صَلَّى فِي دَارٍ قُرْبَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا بِأَنْ تَتَّصِلَ الصُّفُوفُ وَلاَ حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَمَّا فِي عُلُوِّهَا فَلاَ يُجْزِئُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا بَائِنَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ نِسْوَةً صَلَّيْنَ فِي حُجْرَتِهَا فَقَالَ لاَ تُصَلِّينَ بِصَلاَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْ إمَامَةِ الْإِمَامِ فَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ لَمْ يَبِنْ أَنْ يُعِيدَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ صَلاَةِ مُعَاذٍ بَعْدَ مَا افْتَتَحَ مَعَهُ فَصَلَّى لِنَفْسِهِ فَأَعْلَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَلَمْ نَعْلَمْهُ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَصَلاَةُ الْأَئِمَّةِ مَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَا صَلَّيْت خَلْفَ أَحَدٍ قَطُّ أَخَفَّ وَلاَ أَتَمَّ صَلاَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ {فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ}. قَالَ: فَيَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ، فَإِنْ قُدِّمَ أَفْقَهُهُمْ إذَا كَانَ يَقْرَأُ مَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الصَّلاَةِ فَحَسَنٌ وَإِنْ قَدَّمَ أَقْرَأَهُمْ إذَا عَلِمَ مَا يَلْزَمُهُ فَحَسَنٌ وَيُقَدَّمُ هَذَانِ عَلَى أَسَنَّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا قِيلَ: يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ أَنَّ مَنْ مَضَى كَانُوا يُسْلِمُونَ كِبَارًا فَيَتَفَقَّهُونَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَءُوا وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ صِغَارًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهُوا فَإِنْ اسْتَوَوْا أَمَّهُمْ أَسَنُّهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقُدِّمَ ذُو النَّسَبِ فَحَسَنٌ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً وَقَالَ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ}. قَالَ: فَإِنْ أَمَّ مَنْ بَلَغَ غَايَةً فِي خِلاَفِ الْحَمْدِ فِي الدِّينِ أَجْزَأَ صَلَّى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ. قَالَ: وَلاَ يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ فِي بَيْتِ رَجُلٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلاَ فِي وِلاَيَةِ سُلْطَانٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلاَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَأَذِّيه.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا صَلَّتْ بِنِسْوَةٍ الْعَصْرَ فَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَمَّتْهُنَّ فَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَقُومُ بِأَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ بِنِسَاءٍ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ سَفَرًا يَكُونُ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مِيلاً بِالْهَاشِمِيِّ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلاَةَ سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْيَالاً فَقَصَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَقْصُرُ إلَى جُدَّةَ وَإِلَى الطَّائِفِ وَعُسْفَانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَقْرَبُ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً بِالْهَاشِمِيِّ وَسَافَرَ ابْنُ عُمَرَ إلَى رِئْمٍ فَقَصَرَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرْدٍ. قَالَ وَأَكْرَهُ تَرْكَ الْقَصْرِ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ فَأَمَّا أَنَا فَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا عَلَى نَفْسِي وَإِنَّ تَرْكَ الْقَصْرِ مُبَاحٌ لِي، قَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَتَمَّ. قَالَ وَلاَ يَقْصُرُ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ فَلاَ يُقْصَرَانِ وَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ وَيَقْضِيَ، فَإِنْ صَامَ فِيهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ وَإِذَا نَوَى السَّفَرَ فَلاَ يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَ الْمَنَازِلَ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا وَيُفَارِقَ مَوْضِعَهُ إنْ كَانَ بَدَوِيًّا، فَإِنْ نَوَى السَّفَرَ فَأَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ الصَّلاَةَ وَصَامَ وَاحْتَجَّ فِيمَنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً يُتِمُّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاَثًا {وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِمِنًى ثَلاَثًا يَقْصُرُ وَقَدِمَ مَكَّةَ فَأَقَامَ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَةَ ثَلاَثًا يَقْصُرُ} وَلَمْ يَحْسِبْ الْيَوْمَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ سَائِرًا وَلاَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ سَائِرًا وَأَنَّ عُمَرَ أَجْلَى أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ الْحِجَازِ وَضَرَبَ لِمَنْ يَقْدَمُ مِنْهُمْ تَاجِرًا مَقَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَشْبَهَ مَا وَصَفْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَقَامَ السَّفَرِ وَمَا جَاوَزَهُ مَقَامَ الْإِقَامَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَنْ أَقَامَ أَرْبَعًا أَتَمَّ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ أَجْمَعَ إقَامَةَ أَرْبَعٍ أَتَمَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا جَاوَزَ أَرْبَعًا لِحَاجَةٍ أَوْ مَرَضٍ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْخُرُوجِ أَتَمَّ وَإِنْ قَصَرَ أَعَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي خَوْفٍ، أَوْ حَرْبٍ فَيَقْصُرُ، قَصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ. وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ إنْ أَقَامَ عَلَى شَيْءٍ يُنْجِحُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ أَنَّهُ لاَ يَزَالُ يَقْصُرُ مَا لَمْ يَجْمَعْ مُكْثًا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ يَقْصُرُ حَتَّى خَرَجَ إلَى حُنَيْنٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَمَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ يَقُولُ أَخْرُجُ الْيَوْمَ وَأَخْرُجُ غَدًا. قَالَ الْمُزَنِيّ: فَإِذَا قَصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْبِهِ سَبْعَ عَشَرَةَ، أَوْ ثَمَانِ عَشَرَةَ، ثُمَّ ابْنُ عُمَرَ وَلاَ عَزَمَ عَلَى وَقْتِ إقَامَةٍ فَالْحَرْبُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ قَالَهُ قَائِلٌ كَانَ مَذْهَبًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ خَرَجَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْصُرْ. قَالَ الْمُزَنِيّ: أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ أَمْكَنَتْ الْمَرْأَةَ الصَّلاَةُ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى حَاضَتْ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا لَزِمَتْهَا، وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ لَمْ تَلْزَمْهَا فَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُهَا وَهُوَ مُقِيمٌ لَزِمَتْهُ صَلاَةُ مُقِيمٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَهُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا وَسِعَ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ مَعَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ كَانَ عَلَى أَصْلِ فَرْضِهِ أَرْبَعًا، وَلَوْ كَانَ فَرْضُهَا رَكْعَتَيْنِ مَا صَلَّى مُسَافِرٌ خَلْفَ مُقِيمٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ: لَيْسَ هَذَا بِحُجَّةٍ وَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً وَهُوَ يُجِيزُ صَلاَةَ فَرِيضَةٍ خَلْفَ نَافِلَةٍ وَلَيْسَتْ النَّافِلَةُ فَرِيضَةً وَلاَ بَعْضَ فَرِيضَةٍ وَرَكْعَتَا الْمُسَافِرِ فَرْضٌ، وَفِي الْأَرْبَعِ مِثْلُ الرَّكْعَتَيْنِ فَرْضٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِنْ نَسِيَ صَلاَةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي حَضَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا صَلاَةَ حَضَرٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْقَصْرِ هِيَ النِّيَّةُ وَالسَّفَرُ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْعِلَّةُ ذَهَبَ الْقَصْرُ وَإِذَا نَسِيَ صَلاَةَ حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي سَفَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَرْبَعٌ فَلاَ يُجْزِئْهُ أَقَلُّ مِنْهَا وَإِنَّمَا أُرَخِّصُ لَهُ فِي الْقَصْرِ مَا دَامَ وَقْتُ الصَّلاَةِ قَائِمًا وَهُوَ مُسَافِرٌ فَإِذَا زَالَ وَقْتُهَا ذَهَبَتْ الرُّخْصَةُ. قَالَ: وَإِنْ أَحْرَمَ يَنْوِي الْقَصْرَ، ثُمَّ نَوَى الْمُقَامَ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَمَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَلَوْ أَحْرَمَ فِي مَرْكَبٍ، ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَإِنْ أَحْرَمَ خَلْفَ مُقِيمٍ، أَوْ خَلْفَ مَنْ لاَ يَدْرِي فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ كَانَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ أَرْبَعًا وَإِنْ أَحْدَثَ إمَامٌ مُسَافِرٌ بِمُسَافِرِينَ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ فَإِنْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا رَكْعَتَانِ وَإِنْ شَكَّ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَرْبَعٌ. فَإِنْ رَعَفَ وَخَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا كَانَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَعَلَى الرَّاعِفِ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الصَّلاَةَ حَتَّى كَانَ فِيهَا فِي صَلاَةِ مُقِيمٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا غَلَطٌ الرَّاعِفُ يَبْتَدِئُ وَلَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى الْمُسَافِرِ إتْمَامٌ، وَلَوْ صَلَّى الْمُسْتَخْلَفُ بَعْدَ حَدَثِهِ أَرْبَعًا لَمْ يُصَلِّ هُوَ إلَّا رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ يَقْصُرُ فِي أَحَدِهِمَا وَلاَ يَقْصُرُ فِي الْآخَرِ، فَإِنْ سَلَكَ الْأَبْعَدَ لِخَوْفٍ، أَوْ حُزُونَةٍ فِي الْأَقْرَبِ قَصَرَ وَإِلَّا لَمْ يَقْصُرْ وَفِي الْإِمْلاَءِ إنْ سَلَكَ الْأَبْعَدَ قَصَرَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَهَذَا عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ مُبَاحٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَيْسَ لِأَحَدٍ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ أَنْ يَقْصُرَ وَلاَ يَمْسَحَ مَسْحَ الْمُسَافِرِ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ وَلاَ تَخْفِيفَ عَلَى مَنْ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِنْ صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَالْمُسَافِرُونَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ وَيَأْمُرُ الْمُقِيمِينَ أَنْ يُتِمُّوا أَرْبَعًا، وَكُلُّ مُسَافِرٍ فَلَهُ أَنْ يُتِمَّ وَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلاَةَ إنْ شَاءَ، فَإِنْ أَتَمَّ فَلَهُ الْإِتْمَامُ وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُتِمُّ الصَّلاَةَ. وَاحْتَجَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ {بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمِيعًا} وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ {وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ؟ كَانَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الزَّوَالِ وَإِذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحْسَبُهُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِثْلَ ذَلِكَ وَهَكَذَا فَعَلَ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ لِيَتَّصِلَ لَهُ الدُّعَاءُ وَأَرْفَقُ بِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ لِيَتَّصِلَ لَهُ السَّفَرُ فَلاَ يَنْقَطِعُ بِالنُّزُولِ لِلْمَغْرِبِ كَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ فَلَهُ الْجَمْعُ كَمَا وَصَفْت وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي أَيِّ الْوَقْتَيْنِ شَاءَ وَلاَ يُؤَخِّرُ الْأُولَى عَنْ وَقْتِهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَإِنْ صَلَّى الْأُولَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَمْ يَنْوِ مَعَ التَّسْلِيمِ الْجَمْعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْجَمْعُ، فَإِنْ نَوَى مَعَ التَّسْلِيمِ الْجَمْعَ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا عِنْدِي أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَاتِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لاَ يَجْمَعُ إلَّا مَنْ افْتَتَحَ الْأُولَى بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ فِي مَطَرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالسُّنَّةُ فِي الْمَطَرِ كَالسُّنَّةِ فِي السَّفَرِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَالْقِيَاسُ عِنْدِي إنْ سَلَّمَ وَلَمْ يَنْوِ الْجَمْعَ فَجَمَعَ فِي قُرْبٍ مَا سَلَّمَ بِقَدْرِ مَا لَوْ أَرَادَ الْجَمْعَ كَانَ ذَلِكَ فَصْلاً قَرِيبًا بَيْنَهُمَا أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ جَمَعَ الصَّلاَتَيْنِ إلَّا وَبَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ فَكَذَلِكَ كُلُّ جَمْعٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَهَا فَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلَمْ يُطِلْ فَصْلَ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُتِمُّ كَمَا أَتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ فَصَلَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَطْعًا لِاتِّصَالِ الصَّلاَةِ فِي الْحُكْمِ فَكَذَلِكَ عِنْدِي إيصَالُ جَمْعِ الصَّلاَتَيْنِ أَنْ لاَ يَكُونَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِمِقْدَارِ مَا لاَ يَطُولُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْخِطْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً مِنْ بَنِي وَائِلٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ كَثُرَ أَهْلُهُ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ أَكْثَرُهُمْ النِّدَاءَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ الْجَامِعِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وَكَانَ الْمُنَادِي صَيِّتًا وَكَانَ لَيْسَ بِأَصَمَّ مُسْتَمِعًا وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةً وَالرِّيحُ سَاكِنَةً، وَلَوْ قُلْنَا حَتَّى يَسْمَعَ جَمِيعُهُمْ مَا كَانَ عَلَى الْأَصَمِّ جُمُعَةٌ وَلَكِنْ إذَا كَانَ لَهُمْ السَّبِيلُ إلَى عِلْمِ النِّدَاءِ بِمَنْ يَسْمَعُهُ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ} الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ مُجْتَمِعَةُ الْبِنَاءِ وَالْمَنَازِلِ وَكَانَ أَهْلُهَا لاَ يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلاَ صَيْفًا إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ وَكَانَ أَهْلُهَا أَرْبَعِينَ رَجُلاً حُرًّا بَالِغًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَاحْتَجَّ بِمَا لاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ بِأَرْبَعِينَ رَجُلاً} وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ قَرْيَةٍ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلاً فَعَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ " وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ خَطَبَ بِهِمْ وَهُمْ أَرْبَعُونَ، ثُمَّ انْفَضُّوا عَنْهُ، ثُمَّ رَجَعُوا مَكَانَهُمْ صَلَّوْا صَلاَةَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُودُوا حَتَّى تَبَاعَدَ أَحْبَبْت أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّاهَا بِهِمْ ظُهْرًا، فَإِنْ انْفَضُّوا بَعْدَ إحْرَامِهِ بِهِمْ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ حَتَّى تَكُونَ صَلاَتُهُ صَلاَةَ جَمَاعَةٍ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةُ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لاَ تُجْزِئُهُمْ بِحَالٍ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ يُكْمِلُ بِهِمْ الصَّلاَةَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا: لَيْسَ لِقَوْلِهِ إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةُ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فِي مَعْنَى الْمُنْفَرِدِ فِي الْجُمُعَةِ وَلاَ جَمَاعَةَ تَجِبُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَلَوْ جَازَتْ بِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْأَرْبَعِينَ جَازَتْ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْأَرْبَعِينَ فَلَيْسَ لِهَذَا وَجْهٌ فِي مَعْنَاهُ هَذَا وَاَلَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِهِ إنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ انْفَضُّوا صَلَّى أُخْرَى مُنْفَرِدًا كَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَجُلٌ رَكْعَةً صَلَّى أُخْرَى مُنْفَرِدًا وَلاَ جُمُعَةَ لَهُ إلَّا بِهِمْ وَلاَ لَهُمْ إلَّا بِهِ فَأَدَاؤُهُ رَكْعَةً بِهِمْ كَأَدَائِهِمْ رَكْعَةً بِهِ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ أَحْدَثَ بَنَوْا وُحْدَانًا رَكْعَةً وَأَجْزَأَتْهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ زُحِمَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ حَتَّى قَضَى الْإِمَامُ سُجُودَهُ تَبِعَ الْإِمَامَ إذَا قَامَ وَاعْتَدَّ بِهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى فَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إمَامَتِهِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا سَجَدُوا لِلْعُذْرِ قَبْلَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَيَرْكَعُ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَتَسْقُطُ الْأُخْرَى وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ فِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا لاَ يَتْبَعُهُ، وَلَوْ رَكَعَ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنْ قَضَى مَا فَاتَ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ وَتَبِعَهُ فِيمَا سِوَاهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا: الْأَوَّلُ عِنْدِي أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى أَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا يُحْسَبُ لَهُ إذَا جَاءَ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَقَدْ قَالَ: إنْ سَهَا عَنْ رَكْعَةٍ رَكَعَ الثَّانِيَةَ مَعَهُ، ثُمَّ قَضَى الَّتِي سَهَا عَنْهَا وَفِي هَذَا مِنْ قَوْلِهِ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ دَلِيلٌ- وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ-. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَحْدَثَ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَقَدْ كَانَ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ حَدَثِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْرَكَ مَعَهُ التَّكْبِيرَةَ صَلَّاهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُبْتَدِئًا. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا كَانَ إحْرَامُهُ بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ وَلاَ عَبْدٍ وَلاَ امْرَأَةٍ وَلاَ مَرِيضٍ وَلاَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ وَإِنْ حَضَرُوهَا أَجْزَأَتْهُمْ، وَلاَ أُحِبُّ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِالْعُذْرِ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَأَخَّى انْصِرَافُ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي جَمَاعَةً فَمَنْ صَلَّى مِنْ الَّذِينَ لاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْهُمْ وَإِنْ صَلَّى مَنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَعَادَهَا ظُهْرًا بَعْدَ الْإِمَامِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ مَرِضَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ وَالِدٌ فَرَآهُ مَنْزُولاً بِهِ، أَوْ خَافَ فَوْتَ نَفْسِهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدَعَ الْجُمُعَةَ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو قَرَابَةٍ وَكَانَ ضَائِعًا لاَ قَيِّمَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لَهُ قَيِّمٌ غَيْرُهُ لَهُ شُغْلٌ عَنْهُ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الْجُمُعَةَ تَرَكَهَا ابْنُ عُمَرَ لِمَنْزُولٍ بِهِ وَمَنْ طَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ فَلاَ يُسَافِرُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا.
|